كل يبحث عن السعادة ولكن

للعالم الإسكافي كتاب بعنوان لُطفُ التدبيرِ وهو كتابٌ جمّ الفائدة أخّاذ جذاب جلاب، مؤدى الكلام فيه البحثُ عنِ السيادةِ والسعادة والرِّيادةِ، فإذا الاحتيال والمكرُ والدهاءُ، وضربٌ منَ السياسةِ، وأفانينُ منَ الالتواءِ، فَعَلَها كثيرٌ منَ الملوكِ والرؤساءِ، والأدباءِ والشعراءِ، وبعضِ العلماءِ، كلهم يريد أن يهدأَ وأن يرتاحَ، وأن يحصَلَ على مطلوبهِ، حتى إنّهُ من عناوينِ هذا الكتابِ:
في لطفِ التدبيرِ، تسكيرُ شَغب، وإصلاحُ نِفارٍ أو ذاتِ بَين، ماذا يفعلُ المنهزمُ، في مكائدِ الأعداءِ،
مُكايَدَةُ صغيرٍ لكبير في دفع مكروهٍ بقولٍ، في دفع مكروهٍ بمكروه، في دفع مكروهٍ بلُطف في لُطفِ التدبيرِ في دفع مكروه، في مُداراةِ سلطان، في الانتقام من سالِبِ مُلك، في الخلاصِ من نِقمَه، في الفتكِ والاحترازِ منُه، في إظهارِ أمرٍ لإخفاءِ غيرِه. إلى آخرِ تلكَ الأبوابِ.
ووجدتُ أنَّ الجميعَ كلَّهم يبحثونَ عنِ السعادِة والاطمئنانِ، ولكن قليلٌ منهم مَنِ اهتدى إلى ذلكَ ووُفق لنيلِها. وخرجتُ منَ الكتابِ بثلاثِ فوائدَ: الأولى: أنَّ مَن لم يجعلِ الله نصبَ عينيه، عادت فوائدُه خسائِرَ، وأفراحُه أتراحاً، وخيراتُه نكباتٍ ((سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ))
الثانية: إنَّ الطرقَ الملتويةَ الصَّعبةَ التي يسعى إليها كثيرٌ منَ الناسِ في غيرِ الشريعةِ، لنيلِ السعادة يجدونَها -بطُرُقٍ أسهَلَ وأقرَبَ- في طريقِ الشرع المحمديِّ ((وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا)).
فينالون خَيرَ الدنيا وخيرَ الآخرةِ.
الثالثة: أنَّ أُناساً ذهبت عليهم دنياهم وأخراهم، وهم يظُنُّون أنهم يحسنونَ صُنعاً، وينالون سعادةً، فما ظفرُوا بهذه ولا بتلكَ، والسببُ إعراضُهم عن الطريقِ الصحيح الذي بعثَ اللهُ به رُسُلَهُ، وأنزلَ به كتبَه، وهي طَلَبُ الحقِّ، وقولُ الصدقِ، ((وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ)).
كان أحد الوزراء في لهوه وطربه، فأصابه غم كاتم، وهم جاثم، فصرخ:

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا وعلى اله وصحبه وسلم
اللهم اغفر لي وللمؤمنين وللمؤمنات الاحياء والاموات
د.عائض القرني