سارعوا
القرآن والسنة يستثيران المسلم إلى أن يبادر ويسارع ويتقدم، ومنطق القرآن: ((وَسَارِعُوا))، ((سَابِقُوا))، ((فَاسْعَوْا))، ((لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ)) والويل في القرآن لمن قعد وتقاعس وفشل وتخلف: ((وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ))، ((نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ))، ((أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ))، وفي الحديث: (بادروا بالأعمال...) (1) : (اغتنم خمساً قبل خمس) (1) ، (احرص على ما ينفعك...) (1) .
إن من أعظم مصائب الجيل خسة: الهمم، وبرود العزائم، وفتور الأرواح، رضوا بالقيل والقال قعدوا مع اللاهين، فرحوا بمقعدهم خلاف اللامعين والمبرزين، يضحكون ارتياحاً لعيشهم ووضعهم، لا في العبادة مستمرين، ولا في العلم مجتهدين، ولا في معالي الأمور مغامرين، عند الإنسان عمر واحد، إما وإما:

ألا لا أحب السير إلا مصاعداً ولا البرق إلا أن يكون يمانيا
((مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ))، ما لكم إذا قيل لكم هلموا إلى المكرمات قعدتم؟
ما لكم إذا نوديتم إلى القمم نمتم؟
استفيقوا يا قوم! بادروا أيها الشباب، اسعوا أيها الفتية.
يا ويلتاه! تقضى العمر، وتصرم الزمن، وضاع الدهر، لا حفظ ولا فهم، ولا جد ولا اجتهاد، تراوحون أماكنكم، تقفون والركب أمامكم.
يا حسرة والله على الليالي الطويلة، والأيام الجميلة، الواعظ فيكم ينفخ في رماد، ولسان الحال يا حسرة على العباد:


ما في الخيام أخو وجد نطارحه حديث نجد ولا خل نجاريه
تباً لمن يضحك منكم وما وعى القرآن في قلبه وما حفظ السنة في لبه.
آه من الجثث الهامدة يختطفها الموت ولم تقدم شيئاً ولا تعي شيئاً.


وعند المنحنى بعنا نفوساً لأجل عيون من سلب العيونا
لا تقف مكانك. هل وقفت الشمس مكانها؟
هل ثبت القمر في موضعه؟
هل سكنت الريح؟
هل جمد النهر قبل مصبه؟
الكل في حركة، الكل في سباق، الزمن يمر مر السحاب، الصوت يسعى إلى منتهاه، الضوء ينطلق إلى مداه، فهيا أيها الكادح والمخلوق العجيب، لا تقف فإنك في وقوفك تخسر ساعات غالية لن تعود أبداً، عمرك في أنفاسك، تاريخك يكتب بساعاتك، فاتق الله في الليالي والأيام والسنين والأعوام، كفى مماطلة.. كفى تسويفاً.. استفق من سكار الغفلة، وسنة العطالة، وتلفت حولك لن تجد الواقفين إلا البلداء، أما البقية فكلهم في دأب وجد واجتهاد، الفلاح يبعثر الأرض ذات الصدع بمسحاته، المهندس يدير المعامل بآلته، الطبيب مكب على عقاقيره يختبر ويحلل، الأستاذ منهمك في درسه يشرح ويعرف، العابد في مصلاه يدعو ويسبح، وأنت مسوف بالآمال، هائم في أودية الخيال، متعلل بطول العمر ورغد العيش.
لا يحل لك أن تهدر العمر ولا أن تعقر بدن العيش الغالية ولا أن تذبح الزمن بسكين اللهو؛ لأن قتل المعصوم حرام.


إذا أنت ضيعت الزمان بغفلة ندمت إذا شاهدت ما في الصحائف
تسابق الذئب والسلحفاة وكان الذئب أسرع خطاً وأشد وثباً وأقوى عزيمة، والسلحفاة بطيئة ثقيلة، فمر الذئب بظبي فعكف عليه ليصطاده، فعافسه وقاومه، وارتحلت السلحفاة هادئة مواصلة فسبقت الذئب إلى الغاية، وقعد بالذئب تلفته وانشغاله.
فيا من عرف طول الطريق وقلة الزاد وبعد السفر ونفاسة المطلوب وخساسة الدنيا، ما لك إذا قيل لك انفر تثاقلت؟
وإذا قيل لك قم تناومت؟
شابهت في سكونك الميت والجماد، ووالله لو حملت همة عالية لارتحلت بك قبل الفجر، وهبطت بك وادي الفلاح، وأنزلتك مهبط الخير، لكنك رضيت بالقعود أول مرة، وجلس بك الطبع الكثيف في الصفوف الأخيرة، فأنت في الغذاء والكساء ماهر مثابر مجيد فريد، ولكنك في العمل والعبادة والتحصيل ثقيل بليد.
أوشكت الشمس على الغروب، والعمر في هروب، وأنت راكد لابث:


ويلك بادر قبل تغريد الطيور فالعمر نهب ولياليك تموز
بان لك الرشد، وظهر لك الربح، وقامت شوكة الميزان، ولا ينصحك مثل المعصوم، ولا يدلك مثل القرآن. وقد قامت عليك الحجة، وما بقي لك عذر، وليس لك مهرب، فتب إلى مولاك واهجر دنياك، وأكثر من الزاد الثمين المبارك الباقي الطيب: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
اللهم اغفر لي وللمؤمنين وللمؤمنات الاحياء والاموات
د.عائض القرني