اهلا وسهلا بكم بمنتديات همسات اسلامية
هذه ولله الحمد والمنّة صفحات أرجو بها الفائدة لي وللمسلمين في أنحاء العالم وقد وفقني الله تعالى لجمع ما تيسر لي من معلومات تفيدنا في فهم ديننا الحنيف والمساعدة على الثبات على هذا الدين الذي ارتضاه لنا سبحانه ووفقنا وهدانا لأن نكون مسلمين .
وفقنا الله جميعاً لخدمة هذا الدين كل منّا بقدر إمكانياته فكلّنا راع وكلنا مسؤول عن رعيته. بارك الله بالجميع وأتمنى لكم تصفّحاً مفيداً نافعاً إن شاء الله تعالى وشكراً لكم على زيارة هذا الموقع المتواضع. وما توفيقي إلا بالله العزيز الحميد فما أصبت فيه فمن الله عزّ وجل وما أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان فأسأل الله أن يغفر لي ولكم وأن يعيننا على فعل الخيرات وصالح الأعمال وأن يحسن عاقبتنا في الأمور كلّها اللهم آميـــن.
يسعدنا التسجيل في منتدانا
تحياتى لكم ...........
همسات اسلامية

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

اهلا وسهلا بكم بمنتديات همسات اسلامية
هذه ولله الحمد والمنّة صفحات أرجو بها الفائدة لي وللمسلمين في أنحاء العالم وقد وفقني الله تعالى لجمع ما تيسر لي من معلومات تفيدنا في فهم ديننا الحنيف والمساعدة على الثبات على هذا الدين الذي ارتضاه لنا سبحانه ووفقنا وهدانا لأن نكون مسلمين .
وفقنا الله جميعاً لخدمة هذا الدين كل منّا بقدر إمكانياته فكلّنا راع وكلنا مسؤول عن رعيته. بارك الله بالجميع وأتمنى لكم تصفّحاً مفيداً نافعاً إن شاء الله تعالى وشكراً لكم على زيارة هذا الموقع المتواضع. وما توفيقي إلا بالله العزيز الحميد فما أصبت فيه فمن الله عزّ وجل وما أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان فأسأل الله أن يغفر لي ولكم وأن يعيننا على فعل الخيرات وصالح الأعمال وأن يحسن عاقبتنا في الأمور كلّها اللهم آميـــن.
يسعدنا التسجيل في منتدانا
تحياتى لكم ...........
همسات اسلامية
اهلا وسهلا بكم بمنتديات همسات اسلامية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تاريخنا / متجدد

+2
الساعي إلى الفردوس
القعقاع
6 مشترك

اذهب الى الأسفل

تاريخنا / متجدد Empty تاريخنا / متجدد

مُساهمة من طرف القعقاع الخميس 11 أغسطس - 19:15


طارق بن زياد وموسى بن نصير .. لقاء الأبطال





د. راغب السرجاني

فتوحات موسى بن نصير

كان موسى بن نصير قائدًا محَنَّكًا، له نظرة واعية وبُعْدُ نظرٍ ثاقب، ولم يكن يومًا كما يَدَّعِي أناس أنه عطَّل طارق بن زياد عن الفتح؛ حسدًا أن يُنسَب إليه وحده فتحُ بلاد الأندلس[1]؛ ومن ثَمَّ أراد أن يشترك في الأمر معه؛ ذلك أنَّ طارق بن زياد من عُمَّال موسى بن نصير، وواليه على الأندلس، وحسنات طارق بن زياد تُعَدُّ في ميزان موسى بن نصير رحمهما الله؛ فقد دخل الإسلام على يديه، ولكن كانت رؤية موسى بن نصير تستند إلى الحفاظ على جيش المسلمين من الهلكة وهو بعيد عن أرضه لم تستقر خطوط إمداده؛ لا سيما والجيش قد اخترق أرض الأندلس نحو العاصمة، وظلَّت كثير من المدن في ظهره غير مفتوحة ولا آمنة[2].




ومن ثَمَّ فقد قَدِمَ موسى بن نصير وسلك بالجيش نحو المدن التي لم يفتحها طارق، فتوجَّه نحو إِشْبِيلِيَة وفي الطريق أعاد إخضاع شَذُونَة، وافتتح قَرْمُونَة –وهي يومئذٍ من أمنع معاقل الأندلس- ثم حاصر إِشْبِيلِيَة حصارًا شديدًا، طال مداه شهورًا حتى فَتَحت أبوابها أخيرًا، ثم تجاوزها موسى بن نصير إلى الشمال، ولم يكن يفتح المناطق التي فتحها طارق بن زياد، وإنما اتجه ناحية الشمال الغربي، وهو الاتجاه الذي لم يسلكه طارق بن زياد؛ فقد أراد استكمال الفتح ومساعدة طارق بن زياد؛ وليس أخذ النصر أو الشرف منه.





واصل موسى بن نصير سيره نحو طارق بن زياد، وفي طريقه فتح الكثير من المناطق العظيمة حتى وصل إلى منطقة تسمى مَارِدَة
[3]، كل هذا وطارق بن زياد في طُلَيْطِلَة ينتظر قدومه، وكانت مَارِدَة من المناطق التي تجمَّع فيها كثير من القوط النصارى، فحاصرها موسى بن نصير حصارًا بلغ مداه -أيضًا- شهورًا، كان آخرها شهر رمضان، ففي أواخره وفي عيد الفطر المبارك وبعد صبر طويل فتحت المدينة أبوابها، وصالح أهلها موسى بن نصير على الجزية، وهكذا كانت تمرُّ الأعياد على المسلمين في جهاد لنشر دين الله في ربوع العالمين[4].





عبد العزيز بن موسى بن نصير


فاتح البرتغال


لم يكتفِ موسى بن نصير بذلك، بل أرسل ابنه عبد العزيز بن موسى بنِ نصير -رحمهم الله جميعًا- الذي تربَّى كأبيه وجدِّه على الجهاد؛ ليفتح مناطق أوسع ناحية الغرب، وقد توغَّل عبد العزيز في الغرب كثيرًا؛ حتى إنه في فترات معدودة فتح كل غرب الأندلس، التي تسمى حاليًا دولة البرتغال، فقد وصل إلى لَشْبُونَة وفتحها ثم فتح البلاد الواقعة في شمالها، وبهذا يُعَدُّ عبد العزيز بن موسى بنِ نصير فاتح البرتغال.





موسى بن نصير وطارق بن زياد.. لقاء الأبطال واستكمال الفتح


تذكر بعض المصادر أنه لما التقى موسى بن نصير وطارق بن زياد أمسك موسى بطارق وعنَّفه ووبَّخه، بل تذكر -أيضًا- أنه قيَّده وضربه بالسوط، وبعضها يقول: إنه حبسه وهمَّ بقتله
[5]. إلاَّ أننا نقطع بأن هذا لم يحدث، وإنما الذي حدث أن موسى بن نصير قد عنَّف طارق بن زياد بالفعل على معصيته له بعدم البقاء في قُرْطُبَة أو جَيَّان واستمراره حتى طُلَيْطِلَة -كما ذكرنا- وقد كان تعنيفًا سريعًا؛ ولا نشكُّ في أنه كان لقاءً حارًّا بين بطلين افترقا منذ سنتين كاملتين، منذ رمضان سنة 92هـ= يوليو 711م وحتى ذي القعدة سنة 94هـ= أغسطس 713م، فقد أخذت الحملة التي قادها طارق بن زياد حتى وصلت إلى طُلَيْطِلَة عامًا كاملاً، وكذلك استغرقت الحملة التي قادها موسى بن نصير حتى قابل طارقًا في المكان نفسه عامًا كاملاً.





ومما يدلُّ على تلك العلاقة السامية بين هذين القائدين العظيمين ما جاء في نفح الطيب من أن موسى بن نصير لما سمع بانتصار طارق عبر الجزيرة بمَنْ معه ولحق به، فقال له: يا طارق؛ إنه لن يجازيك
الوليد بن عبد الملك على بلائك بأكثر من أن يمنحك الأندلس فاستبحه هنيئًا مريئًا. فقال له طارق: أيها الأمير؛ والله! لا أرجع عن قصدي هذا ما لم أنتهِ إلى البحر المحيط، أخوض فيه بفرسي -يعني البحر الشمالي أي: المحيط الأطلنطي- من ناحية شمال شبه جزيرة الأندلس [6].





فكأن موسى بن نصير تنازل عن الأندلس لطارق من قبل أن يأتيه أمر الوليد بهذا؛ لِمَا أُعجب به من عمل طارق وجهاده، بل وتنازل عنها إعجابًا وبطيب نفس «هنيئًا مريئًا»، ثم إن طارقًا لم يكن ممن يهمه الولاية والإمارة، بل شغله حُبُّ الجهاد، وما رضي عنه بغيره، ولو كان المنصب على الجزيرة الغنية.





وبعد اللقاء اتَّحَدَا معًا واتجها إلى فتح منطقة الشمال؛ لاستكمال عمليات الفتح، ففتحا مناطق عِدَّة؛ كان منها -على سبيل المثال- منطقة بَرْشُلُونَة ففتحاها
[7]، ثم اتجها إلى مدينة سَرَقُسْطَة؛ وهي أعظم مدن الشمال الشرقي ففتحوها[8]، وفي منطقة الشمال قام موسى بن نصير بعملٍ يُحْسَد عليه؛ فقد أرسل سريَّة خلف جبال البِرِينيه، وهي الجبال التي تفصل بين فرنسا وبلاد الأندلس، وتقع في الشمال الشرقي من بلاد الأندلس، عبرت هذه السرية جبال البرينيه، ثم وصلت إلى مدينة تُسمَّى أرْبُونَة، وتقع هذه المدينة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وبذلك يكون موسى بن نصير قد أسس نواةً لمقاطعة إسلامية سوف تكبر مع الزمان، كما سيأتي بيانه بمشيئة الله.





وبعد هذه السرية الوحيدة التي فتحت جنوب غرب فرنسا اتجه موسى بن نصير بجيشه إلى الشمال الغربي حتى وصل إلى آخره، وقد ظلَّ المسلمون يفتحون مدن الأندلس؛ المدينة تلو الأخرى حتى تمَّ الانتهاء من فتح كل بلاد الأندلس، إلاَّ منطقة واحدة في أقصى مناطق الشمال الغربي وتُسمى منطقة الصخرة أو صخرة بلاي، وهي تقع على خليج بسكاي عند التقائه مع المحيط الأطلنطي
[9].





ففي زمن قُدِّر بثلاث سنوات ونصفٍ -ابتدأ من سنة 92هـ=711م وانتهى في آخر سنة 95هـ= 714م- كان قد تمَّ للمسلمين فتح كل بلاد الأندلس عدا صخرة بلاي هذه، وحين عزم موسى بن نصير على أن يُتِمَّ فتح هذه الصخرة ويستكمل الفتح إلى نهايته، أتاه ما لم يكن يتوقَّعه.





لو لم تكن البراهين ثابتة على تمام الفتح في هذه المدة القصيرة لما صدَّقه أحد؛ لأن شبه الجزيرة الأندلسية قطر عسير فسيح لا يسهل على أحد فتحه أو إخضاعه... والحق أن فتح المسلمين للأندلس معجزة في حدِّ ذاته؛ إذ لا يُصَدِّق المرء وهو يتتبَّع أخبار هذا الفتح أن الذين كانوا يقومون به -بهذا النظام، وبهذا النظر البعيد- إنما كانوا بربرًا لم يسبق لهم عهد بالنظام ولا الجيوش ولا المعاهدات، الحق أن الإسلام قد خطا بمعتنقيه خلال القرن الأول بضعة قرون إلى الأمام، وهذا تاريخ الرومان في إفريقية: لم يوفقوا إلى تحضيرها على نحو يُقارب ما فعله الإسلام -ولو من بعيد- في بضعة قرون، فما بالك وقد فعل الإسلام ذلك في نحو نصف قرن؟!





ولو ذكرنا أن موسى أكمل عمل طارق، وأن عبد العزيز أكمل عمل الاثنين لاستبان أن العرب ساروا في فتح هذه البلاد على خطَّة محكمة لم يكن من الميسور وضع أحسن منها: فقد قُضِيَ على المقاومة واحتلت العاصمة في أول وثبة، ثم اتجهت الهمة إلى إخضاع كبريات مدن الغرب، ثم فتح المسلمون إقليم سَرَقُسْطَة وتتبَّعوا فلول المقاومة في معاقلها في الشمال والشمال الغربي، ثم فتحوا أقصى الغرب، وخُتم العمل بفتح الجنوب الشرقي. ولو أن مجلسًا للحرب من كبار العسكريين اجتمع ليضع خطة لفتح البلاد لما وُفِّق إلى خير من ذلك، وتلك ناحية ينبغي ألاَّ تغيب عن ذهن أحدنا وهو يدرس هذا الفتح؛ لأنها في الواقع تدلُّ على نبوغ حربي عند هؤلاء المسلمين الأولين
[10].

[/size]













[1] تذكر بعض الروايات ذلك، انظر: مجهول: أخبار مجموعة ص24، والمقري: نفح الطيب 1/269.


[2] حسين مؤنس: فجر الأندلس ص79 وما بعدها.


[3] مجهول: أخبار مجموعة ص26، وابن عذاري: البيان المغرب 2/14،.


[4] مجهول: أخبار مجموعة ص26، وابن عذاري: البيان المغرب 2/14، 15، والمقري: نفح الطيب 1/271.


[5] مجهول: أخبار مجموعة ص26، 27، وابن عذاري: البيان المغرب 2/16، والمقري: نفح الطيب 1/271.


[6] المقري: نفح الطيب 1/242.


[7] من المؤسف أن الكثيرين من المسلمين لا يعلمون عن برشلونة شيئًا إلا فريق كرة القدم المشهور، ولا يكاد يدور بخَلَدِهم أنها كانت في يومٍ ما مسلمة يُحكم فيها بشرع الله I.


[8] المقري: نفح الطيب 1/273.


[9] ابن الأثير: الكامل 4/270، والمقري: نفح الطيب 1/274-276.


[10] حسين مؤنس: فجر الأندلس ص106، 107.



[/size]




عدل سابقا من قبل القعقاع في الخميس 18 أغسطس - 13:55 عدل 1 مرات

القعقاع
شخصية مميـزة
شخصية مميـزة

الاوسمه : تاريخنا / متجدد 1102280606334a47a070
عدد المساهمات : 991
نقاط : 6114
السٌّمعَة : 7
تاريخ التسجيل : 31/03/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخنا / متجدد Empty رد: تاريخنا / متجدد

مُساهمة من طرف الساعي إلى الفردوس الخميس 11 أغسطس - 23:10

جزاك الله الفردوس ألعلى أخي القعقاع على تنويرنا بسير هؤلاء الأبطال
و جزاهم عنا الله خير الجزاء لما بدلوه من أجل نشر هدا الدين الحنيف
الساعي إلى الفردوس
الساعي إلى الفردوس
شخصية مميـزة
شخصية مميـزة

الاوسمه : تاريخنا / متجدد 110402075213a5f46f76
عدد المساهمات : 931
نقاط : 5987
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 20/02/2011
العمر : 54
الموقع : الجزائر

https://hmsat-islam.yoo7.com/profile?mode=editprofile

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخنا / متجدد Empty رد: تاريخنا / متجدد

مُساهمة من طرف القعقاع الجمعة 12 أغسطس - 4:38


ولكم الشكر لتشريفكم صفحتنا المتواضعة
وكل عام وانتم بخير

القعقاع
شخصية مميـزة
شخصية مميـزة

الاوسمه : تاريخنا / متجدد 1102280606334a47a070
عدد المساهمات : 991
نقاط : 6114
السٌّمعَة : 7
تاريخ التسجيل : 31/03/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخنا / متجدد Empty فتح الاندلس فى رمضان

مُساهمة من طرف القعقاع الجمعة 12 أغسطس - 4:41


لم يمض القرن الإسلامي الأول حتى كان فتح عظيم من فتوحات شهر رمضان الكريم، وهو فتح عظيم في التاريخ الإسلامي يكاد يلي في أهميته الفتح الإسلامي لمصر أرض الكنانة بلد الإسلام، إنه فتح الأندلس على يد المقاتل البارع والقائد الفذ طارق بن زياد.

في عهد الدولة الأموية استطاع القائد المسلم موسى بن نصير فتح بلاد المغرب العربي، وبذلك دخل البربر في دين الله وعمل موسى بن نصير على تعليم الناس أمور دينهم وتفقيههم فيه، وعمل على تدعيم الوجود الإسلامي ببلاد المغرب العربي، فكان له ذلك بخبرته وحنكته والتزامه بشرع الله، فصار البربر من جند الله المجاهدين.

لكن بقيت إحدى مدن المغرب عصية على الفتح الإسلامي وتسمى سبتة، وحاكمها يسمى يوليان وكان من حلفاء ملك الأندلس غيطشة، وكان يأتيه المدد عبر البحر من الأندلس، ثم مات غيطشة وخلفه في ملك الأندلس لذريق، وحدث أن اغتصب لذريق هذا ابنة يوليان حيث كان قد أرسلها إلى القصر لتتعلم وتتأدب بأدب الملوك، فأقسم يوليان على أن يزيل ملك لذريق، وحاول محاولات عدة لكنه لم يجد غير التحالف مع المسلمين سبيلاً، ورأى موسى بن نصير أن الفرصة سانحة لفتح الأندلس ونشر الإسلام فيها وهي في هذه الحالة من الضعف والفوضى.

وبعث موسى بن نصير إلى الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك يستأذنه في فتح هذه البلاد وواصفًا له مكانتها من المسلمين، مبينًا سهولة دخولها بناء على ما أوضحه له يوليان، فأمره الوليد بن عبد الملك بإرسال سرية صغيرة تختبر تلك البلاد؛ كي لا يقع المسلمون في مأزق في تلك البلاد، فأرسل موسى بن نصير أحد قادة جنده ويسمى طريف بن ملوك، فعبر إلى الأندلس في خمسمائة جندي وكان ذلك في رمضان سنة إحدى وتسعين للهجرة، ونزلوا في بلدة سميت باسم القائد طريف، وشن المسلمون غارات على الساحل غنموا فيها مغانم كثيرة، ثم رجعوا إلى موسى بن نصير بما حصلوا عليه في تلك المعارك.

بعدما رأى موسى بن نصير نتيجة السرية التي قام بها طريف بن ملوك، أخذ يجهز جيشًا كبيرًا وندب على رأسه رجلاً بربريًّا شجاعًا يسمى طارق بن زياد، وأرسله إلى الأندلس على رأس سبعة آلاف مقاتل مسلم، جُلّهم من البربر الذين حسن إسلامهم والبربر كانوا يتصفون بالقوة والشجاعة والإقدام، وبدأ عبور المسلمين إلى الأندلس ولم يكن لديهم سوى أربع سفن، فتم العبور على دفعات واختبأ الذين عبروا أولاً حتى عبر الجيش كله، وتجمعوا عند جبل سمِّي بجبل طارق تيمنًا باسم القائد الفاتح طارق بن زياد، واستولى المسلمون على الجزيرة الخضراء قبالة جبل طارق، فصارت مواصلات الجيش مع إفريقيا حيث المسلمون كلها آمنة.

لما علم ملك القوط لذريق بخبر المسلمين، أرسل فرقة من جيشه لتهاجم المسلمين لكنها هُزمت وقتل كل جنودها إلا رجل واحد عاد فأخبر لذريق بما رآه من المسلمين في قتالهم، فسار لذريق جنوبًا واستولى على قرطبة وعسكر في سهل البرباط، وكان تعداد جيشه مائة ألف مقاتل تقريبًا، وسار طارق بن زياد بجيشه متوجها إلى قرطبة وتوقف عند نهر البرباط، وتحسس أخبار لذريق فعرف مكانه وعدد جيشه، فأرسل إلى موسى بن نصير طالبًا المدد، فأرسل له موسى مددًا تعداده خمسة آلاف مقاتل جُلّهم من العرب، فسار تحت قيادة طارق بن زياد حوالي اثني عشر ألفًا من المسلمين.

أما لذريق فلم يكن من بيت الملك في بلاد الأندلس، لكنه لما هلك غيطشة ملك الأندلس ترك أولادًا لم يرضهم أهل الأندلس واضطرب الأمر هناك، فتراضوا على لذريق هذا وكان من قوادهم وفرسانهم فولوه ملكهم، لكنه خالف تقاليد الملك وفعل أشياء شنيعة؛ لذا لما تلاقى الجيشان كان أبناء ملك الأندلس قد اتفقوا على أن ينهزموا بجنودهم، وقد ظنوا أن المسلمين إنما جاءوا طلبًا للغنائم فقط، ونشبت المعركة وأبلى المسلمون بلاء حسنًا، على الرغم من أن غالب المسلمين كانوا رجَّالة بلا خيول بينما جنود القوط من الفرسان، واستمرت المعركة ثمانية أيام، وانضم عدد من جيش لذريق إلى المسلمين بغضًا له وتشفيًا فيه، وحدث اضطراب في جيشه، ففرَّ لذريق وفرَّ بقية جيشه وسيوف المسلمين تحصدهم..

ولم يعثر على أي أثر للذريق بعد هذه المعركة حيًّا أو ميتًا، وقد استشهد في هذه المعركة ثلاثة آلاف مسلم، وكانت هذه المعركة العظيمة التي انتصر فيها المسلمون انتصارًا عظيمًا في شهر رمضان في العام الثاني والتسعين للهجرة النبوية المباركة.

إن هذه معركة انتصر فيها المسلمون انتصارًا عظيمًا على الكفر وأهله، رغم فارق كبير جدًّا في العدد والعتاد، ولكن الإيمان الصادق والرجال المخلصين والقيادة الواعية المدركة بمآل الأمور والفهم الواضح لهذا الدين العظيم إذا اجتمعوا في جيش، فهذا الجيش لا بد منتصر، هذا رغم اختلاف الأعراق فكان الجيش مكونًا من العرب والبربر وكان لكل منهم لغة ولكل منهم عادات وتقاليد، لكن جمعهم الإيمان بالله والأخوة في الله والرغبة الصادقة في نشر الإسلام في كل بلاد الأرض؛ لكي لا يدَّعِي المدعون والذين ينادون بالقومية والوطنية أن الدين لا ينفع أن يكون جامعًا للناس تحت لوائه، بل يقصرون ذلك على اللغة والعرق فقط.

بعد هذه المعركة توجه طارق بن زياد بجيشه إلى مدينة شذونة فحاصرها حتى فتحها (ويقال إن الذي فتح شذونة هو موسى بن نصير)، ثم توجه طارق إلى مدينة استجة وفيها فلول جيش لذريق فقاتلهم قتالاً شديدًا حتى فتح الله على المسلمين بالنصر وأسر طارق حاكمها وصالحهم على الجزية. بعد ذلك رأى طارق أن جيشه قد كثر عدده؛ بسبب عبور كثير من أهل المغرب وانضمامهم للجيش، فعمل على تقسيم الجيش إلى فرق عدة، وكلف كل فرقة بفتح مدينة من المدن الأندلسية، فبعث مغيثًا الرومي مولى الوليد بن عبد الملك إلى قرطبة في سبعمائة فارس ليس معهم راجلٌ واحد، حيث لم يبق من المسلمين راجلٌ إلا ركب من كثرة غنائم المسلمين، وبعث فرقًا أخرى إلى مدن رية ومالقة وغرناطة، أما هو فقد توجه بالجزء الأكبر من الجيش إلى مدينة طليطلة.

أما مغيث فقد فتح الله عليه قرطبة وملكها وفر منها مقاتلو القوط، وكذلك الجيش الذي توجه إلى رية فتح الله عليه وانتصر على أهلها من القوط، ثم فتحت غرناطة وكذلك فتحوا أوريولة بصلح بين المسلمين وقائد القوط فيها وكان اسمه تدمير فسميت المدينة باسمه. وهكذا توالت الفتوحات في بلاد الأندلس، ثم عبر موسى بن نصير ففتح مدنًا كثيرة أيضًا، كان من أشهرها مدينة إشبيلية وهي آخر المدن الأندلسية التي خرج منها الإسلام.

هكذا فتحت الأندلس في القرن الأول الميلادي، فتحت بدماء الشهداء الأبرار، ونقل المسلمون بلاد الأندلس من التخلف والجهل إلى نور العلم وحضارة الإسلام، فصارت الأندلس رمزًا لحضارة الإسلام وللمكانة التي وصل إليها المسلمون من العلم والتقدم، في ذات الوقت الذي كانت مدن أوربا في ظلام دامس من تخلف وجهل.

ونحن إذ نتحدث عن الأندلس يجب أن نذكر أمتنا أن الإسلام بقي في الأندلس بضع قرون حتى وهن المسلمون وضعفوا وتشتتت مدنهم وصار لكل مدينة حاكما، فقام الفرنجة الصليبيون بقتالهم وتوالت هزائم المسلمين حتى كانت آخر المعارك هي معركة أشبيلية وهزم المسلمون فيها شر هزيمة، وهكذا خرج الإسلام من الأندلس، وصارت الأندلس اليوم حليفا مهما لأقوى البغي والطغيان الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وشاركت في تدمير بلاد إسلامية كثيرة أهمها العراق وأفغانستان، وحسبنا الله ونعم الوكيل.


المراجع:

- من معارك المسلمين في رمضان للعبيدي.
- المكتبة الأندلسية- أخبار مجموعة لإبراهيم الأبياري.
- البداية والنهاية لابن كثير.
- الكامل في التاريخ لابن الأثير.
- المعجب في تلخيص أخبار المغرب للمراكشي.
- الإحاطة في أخبار غرناطة لابن الخطيب.
- البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب لابن عذاري.


القعقاع
شخصية مميـزة
شخصية مميـزة

الاوسمه : تاريخنا / متجدد 1102280606334a47a070
عدد المساهمات : 991
نقاط : 6114
السٌّمعَة : 7
تاريخ التسجيل : 31/03/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخنا / متجدد Empty فتح مكة فى رمضان

مُساهمة من طرف القعقاع السبت 13 أغسطس - 19:04



د. راغب السرجاني
فتح مكة



لحظة فارقة حقيقية في تاريخ المسلمين بل في تاريخ الأرض والعالم، حتى إنه إذا ذُكر الفتح معرفًا انصرف الذهن مباشرة إلى فتح مكة، مع أن كل انتصارات المسلمين كانت فتحًا، غير أن ما قبْل فتح مكة شيء وما بعده شيء آخر، حتى إن الرسول

كان يقول: "لا هجرة بعد الفتح". ويقول رب العالمين: {لاَ يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [الحديد: 10].



فتح مكة وسنن التغيير

وهذا الفتح تميز بسنن التغيير والنصر والتمكين في الأرض، ونستخلصها في التالي:

السنة الأولى: الله لا يعجل بعجلة عباده

منذ واحد وعشرين عامًا من أصل ثلاثة وعشرين هي عمر البعثة النبوية واللات والعزى ومناة وهبل تُعبد من دون الله داخل مكة المكرمة!


والبعض تمنى أن تفتح مكة مبكرًا، وأن يحكم الرسول

الدولة الإسلامية من مكة؛ وذلك ليرى حكمه وأثره في العالمين وهو ممكَّن في الأرض؛ لكن الحقيقة أنه لو حدث مثل هذا لوقعت مخالفة للسُّنَّة الإلهية، وهذا لا يكون أبدًا، {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً} [فاطر: 43].. والانتظار الطويل حتى يعلِّمنا جميعًا أنه I لا يعجل بعجلة عباده.


السنة الثانية: التغيير والنصر والتمكين يأتي من حيث لا نحتسب

أي أن المسلمين لو أرادوا أن يفتحوا مكة فلا شكَّ أنهم سيضعون أكثر من احتمال أو تصور لهذا الفتح، ولو أنهم وضعوا ألفًا من هذه الاحتمالات لجاء التغيير من طريق آخر.. وما حدث هو أن قبيلة مشركة أغارت على قبيلة أخرى مشركة، فتمَّ الفتح للمؤمنين.


وقد يتساءل المرء: ما علاقة هذا بذاك؟ إلا أننا إذا راجعنا بنود صلح الحديبية خاصة البند الثالث، وجدنا أنه إذا أرادت قبيلة أن تنضم إلى حلف المسلمين فلها ذلك، وإذا أرادت قبيلة أن تنضمَّ إلى حلف قريش فلها ذلك، وعلى إثر هذا دخلت خزاعة في حلف الرسول

، ودخلت بنو بكر في حلف قريش، فكانت القصة بين المسلمين وقريش، ولم يكن لخزاعة ولا لبني بكر دخلٌ فيها، ومع ذلك فدخولهم في المعاهدة هو الذي أدى إلى الفتح كما سنرى.


بنو بكر وقريش وخيانة العهد

بتحليل منطقي فإنه إذا حدثت هذه المخالفة وأغارت بنو بكر على خزاعة قبل الحديبية، فما كان يحدث أيُّ نفع للمسلمين، إذ الحالة أن قبيلة مشركة اعتدت على قبيلة أخرى مشركة.

وقد تكون هي نفس النتيجة أيضًا إذا حدث هذا الأمر بعد الحديبية مباشرة؛ فلعل المسلمين لم تكن لهم طاقة لغزو مكة أو لفتحها آنذاك.. وما حدث هو أن قريش أعانت بني بكر على حرب خزاعة في تهوُّر عجيب.. وهذا هو تدبير رب العالمين {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا} [الطارق: 15، 16].

هجمت بنو بكر على خزاعة تلك التي لم تكن مستعدة للقتال، خاصة أن هناك صلح الحديبية، وفيه هدنة عشر سنوات، وقتلتْ من خزاعة الكثير من الرجال.. لم تجد خزاعة إلا أن تفرَّ إلى أقرب مكان آمن وهو الحرم المكي ومساكنها قريبة جدًّا منه، فخرجت رجالاً ونساءً وصبيانًا إلى مكة المكرمة، ودخلت بالفعل داخل الحرم، ومن ورائها بنو بكر تطاردها بالسلاح.. ووقع القتال داخل الحرم، أو قُلْ إنه داخل قريش، التي كثيرًا ما كانت تتشدق بأنها حامية الحُجَّاج والمعتمرين وحامية المنطقة بكاملها، وأنها التي توفِّر الأمان فيها.

وقامت قريش في تهور عجيب وأعانت بني بكر وأمدَّتهم بالسلاح لحرب خزاعة، وهذا غير مبرَّر بالمرة لقريش، وليس هناك أي علاقة للمسلمين بالقصة؛ فهو تصرف غير مفهوم لكنه يضع أعيننا على شيء في غاية الأهمية، وهو أن الخيانة أمر متوقع من المشركين، قال تعالى في كتابه الكريم: {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 100].


والعجب أن هذه الخيانة وقعت منهم والرسول

ما زال على وفائه لهم بالعهد الذي بينه وبينهم، حتى إنه ردَّ من جاء من المدينة المنورة مؤمنًا من مكة إلى قريش وفاءً ببنود المعاهدة، كما أعاد أبا بصير إلى مكة رغم خطورة هذه الإعادة على إيمان أبي بصير، وهو الأمر الذي لم تفعله قريش.. والمشكلة الكبيرة الأخرى هي أن بني بكر كانت تلعب بالقوانين، وقريش تشاهد ذلك الأمر وتقبله، بل يقبله الجميع؛ فالقتال داخل مكة البلد الحرام، في داخل البيت الحرام، وهو أمر خطير؛ إذ الجميع كان يؤمِّن كل زائري هذه المنطقة.. ودخلت بنو بكر مكة المكرمة لتقتل خزاعة في داخل الحرم، الأمر الذي أدهش جيش بني بكر نفسه من استمرار القتل في داخل الحرم، حتى نادوا على زعيمهم نوفل بن معاوية الديلي من بني بكر، نادوا عليه وقالوا: يا نوفل، إلهك إلهك.. يعنون قوانين (اللات والعزى وهبل وغيرها) لم تشرع القتال داخل البيت الحرام.. هنا ردَّ عليهم قائدهم هذا بكلمة فاجرة، قال: لا إله اليوم، لا إله اليوم! ثم قال: يا بني بكر، أصيبوا ثأركم، فلعمري إنكم لتسرقون في الحرم، أفلا تصيبون ثأركم فيه؟!


فشجعهم على استمرار عملية القتل؛ لتحدث الجريمة الكبرى، وقريش لا تشاهد هذا الأمر فقط، بل تساعد عليه، فكان هذا خرقًا واضحًا للبند الثالث من بنود صلح الحديبية.

خزاعة تستنجد بالرسول


أسرعت خزاعة إلى المدينة المنورة تستغيث بالرسول

، وكان عمرو بن سالم أول من جاء إليه من خزاعة، وكان رد فعل الرسول

عندما سمع منه ما حدث قوله: "نصرت يا عمرو بن سالم".


ولم يحدد الطريقة التي سينصر بها عمرو بن سالم، لكنه أخذ على الفور قرار النصرة؛ وذلك لأنه كان بينه وبين قبيلة خزاعة اتفاقية وحلف، وهذا بغض النظر عن ملة قبيلة خزاعة مسلمة أو مشركة؛ فهناك حلف بينهم وبين المسلمين يقضي بأن يدافع كل طرف عن الطرف الآخر إذا ما تعرض ذلك الآخر إلى أي اعتداء.

السنة الثالثة: النصر يأتي من حيث يكره المسلمون

أمر غريب جدًّا لكنه متكرر إلى الدرجة التي تجعله سُنَّة: لا يأتي النصر فقط من حيث لا يتوقع المسلمون، إنما يأتي من حيث يكره المسلمون.. كره المسلمون لقاء المشركين في بدر فجعل الله I في باطنه النصر، يقول تعالى: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} [الأنفال: 5]. وكره المسلمون صلح الحديبية وقالوا: لِمَ نعطي الدنية في ديننا؟! وكان في باطنه الخير كله الخير.

تُرى لماذا هذه السنة؟ ولماذا يأتي النصر من حيث نكره؟ ولماذا لا يأتي النصر من حيث نحب؟ أو بالطريقة التي نريد؟ أو بالطريقة التي نخطِّط لها؟ هذا الكلام يتكرر كثيرًا في مراحل التاريخ؛ لأن الله يريد لنا ألا نُفتن بنصرنا، ونعتقد أن النصر جاء من حسن تدبيرنا، ودقة خطتنا، وبراعة أدائنا، ولذكاء عقولنا، ولسرعة تصرفنا.. يجب ألا ننسى أن الذي نصرنا هو الله القوي؛ لذلك يأتي النصر من حيث لا نحتسب، بل من حيث نكره؛ وليعترف الجميع أن الناصر هو الله، لذلك يقول الله سبحانه: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1].. النصرُ نصر الله، والفتح فتح رب العالمين للمسلمين.

كل الظروف مهيأة لفتح مكة

عدة عوامل ساعدت المسلمين في القيام بهذا الفتح العظيم لمكة المكرمة؛ وهي:

1- الوضع السياسي والعسكري للمسلمين قبل فتح مكة

كان الوضع السياسي والعسكري للمسلمين قبل فتح مكة قويًّا فعلاً، فأعداد المسلمين تتزايد والجيش الإسلامي مدرب تدريبًا جيدًا، وليس تدريبًا في لقاءات وهمية، ولكن في لقاءات حقيقية مع اليهود والمشركين، بل مع الرومان في مؤتة، وكانت معنويات الجيش الإسلامي في السماء كما رأينا، فقد رُفعت معنويات الجيش الإسلامي، وارتفعت سمعة المسلمين على مستوى الجزيرة العربية، بل على مستوى العالم كله.

2- الوضع العسكري والسياسي لقريش قبل فتح مكة


على الجانب الآخر كان الوضع العسكري لقريش ضعيفًا، ويزداد ضعفًا مع مرور الوقت، والرسول

كان يرى هذا من عامين وأكثر، ولا ننسى في صلح الحديبية أنه قال في المفاوضات: "إن قريشًا قد وهنتهم الحرب وأضرت بهم". وبعد رجوع الأحزاب إلى قبائلهم قال الرسول

: "الآن نغزوهم ولا يغزونا، نحن نسير إليهم"؛ لأن الرسول

يرى الدولة الإسلامية في علو واضح، وقريش في هبوط واضح..


والوقت الذي مر بعد صلح الحديبية لم يكن في مصلحة قريش؛ إذ رأينا المسلمين يتزايدون، وكل رجل أو امرأة يتحول من الكفر إلى الإيمان هو إضافة إلى الدولة الإسلامية، وفي نفس الوقت نقص في الدولة الكافرة.. فهذا خالد الذي كان سببًا في انتصار غزوة أحد ، انضمَّ إلى المعسكر الإسلامي، وكان مكسبًا كبيرًا جدًّا، وإضافة هائلة للدولة الإسلامية.. وعمرو بن العاص وهو من أعظم دهاة العرب، فقدت قريش قوته وأضيفت قوته للمسلمين، وكذلك عثمان بن طلحة ليس من الفرسان الأشداء فقط، ولكنه من بني عبد الدار، وحامل مفتاح الكعبة، وإضافته للدولة الإسلامية إضافة في غاية القوة.

3- واجب المسلمين الأخلاقي والديني والسياسي في القيام فتح مكة

كان هناك واجب أخلاقي وقانوني وسياسي على المسلمين في أن يقوموا بفتح مكة، هناك واجب أخلاقي برفع الظلم عن المظلومين؛ فخزاعة ظُلمت ولا يجب أن تترك هكذا، ثم إن هذا الواجب ليس أخلاقيًّا فقط، بل هو واجب شرعي وقانوني؛ أي فُرض على المسلمين أن يساعدوا خزاعة، لأنه التزام إسلامي مؤكد في صلح الحديبية.


وعلى الفور اختارت قريش أبا سفيان ليذهب إلى المدينة المنورة ويطلب العفو من النبي

، و
أبو سفيان هو سيد مكة وزعيمها، وهو ليس مجرد سفير ترسله مكة، ولكنه زعيم مكة، وزعيم بني أمية، وله تاريخ طويل وحروب متتالية مع المسلمين. وهنا يتنازل أبو سفيان عن كبريائه، وعن كرامته، ويذهب إلى المدينة المنورة، ويطلب من الرسول

أن يطيل الهدنة مع قريش.


خروج الجيش الإسلامي وظهور بشريات النصر


ولكن مجيء أبي سفيان لم يغير من الأمر شيئًا.. خرج المسلمون بالفعل من المدينة المنورة، وكان هذا الخروج في العاشر من رمضان سنة 8هـ، واتجهوا مباشرة إلى مكة المكرمة، وفي الطريق بدأت بشريات النصر تهبُّ على المسلمين؛ إذ لقي المسلمون العباس بن عبد المطلب عم الرسول

ومن أحب الناس إلى قلبه مهاجرًا قبل أن يصل الرسول إلى مكة المكرمة؛ وذلك أسعد الرسول، وسُرَّ سرورًا عظيمًا برؤية العباس، وانضم العباس إلى قوة المسلمين، وسوف يكون له دور إيجابي في فتح مكة المكرمة.



وأكمل الرسول الطريق فوجد المسلمون أبا سفيان بن الحارث وعبد الله بن أمية، أحدهما ابن عم رسول الله، والثاني ابن عمة الرسول، وكانا من أشد الناس على رسول الله، وجاءا من مكة المكرمة إلى المدينة ليعلنا إسلامهما بين يدي رسول الله

.. ومن شدة إيذائهما للرسول رفض في البداية أن يقابلهما، ولولا أن السيدة
أم سلمة رضي الله عنها -وكانت مصاحبة لرسول الله في الفتح- قد توسطت لهما، فقابلهما وأعلنا التوبة الكاملة بين يديه.. وهذه كانت بشريات لفتح مكة.

وصل الصحابة -رضي الله عنهم وأرضاهم- إلى مر الظهران، ومر الظهران تبعد عن مكة المكرمة حوالي اثنين وعشرين كيلو مترًا، وهناك التقت القبائل المختلفة من قبائل فزارة، ومن قبائل بني سليم، ومن غطفان، ومن مزينة، ومن جهينة، ومن كل مكان عشرة آلاف جندي.. فالوضع عند مر الظهران هو نفس الوضع في غزوة الأحزاب، ولكن بصورة معكوسة، وتلك الأيام نداولها بين الناس؛ فمنذ ثلاث سنوات حوصرت المدينة بعشرة آلاف مشرك، والآن تحاصر مكة بعشرة آلاف مسلم، العدد هو نفس العدد، ولكن شتَّان بين الفريقين.

دخول مكة وعفو الرسول


ثم دخلت الجيوش الإسلامية مكة من كل مكان، ولم تلق قتالاً يذكر إلا عند منطقة في جنوب شرق مكة اسمها منطقة الخندمة، وتزعم عكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية أوباش قريش، وقاتلوا في هذه المنطقة خالد بن الوليد t بفرقة قوية من الفرسان، ومع كون خالد t صديقًا قديمًا وحميمًا لعكرمة بن أبي جهل ولصفوان، إلا أنه كان متجردًا تمام التجرد، وقاتل قتالاً شديدًا رائعًا تطاير من حوله المشركون، وما هي إلا لحظات حتى سارت الفرقة المشركة ما بين قتيل وأسير وفارٍّ، وهرب صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل من مكة المكرمة، وخمدت المقاومة تمامًا، وفتحت مكة أبوابها لخير البشر -عليه الصلاة والسلام- يدخلها آمنًا مطمئنًا عزيزًا، ويضرب الرسول للعالم مثلاً إسلاميًّا في الصفح يبقى إلى يوم القيامة، قال

: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن".



ومن عبقرية الرسول

إعلاء شأن أبي سفيان عند فتح مكة؛ إذ خص الرسول -عليه الصلاة والسلام- أبا سفيان بخصيصة تجعله متميزًا على أقرانه من أهل مكة، وأعطاه رسول الله شيئًا بلا خسارة، ويكسب قلب أبي سفيان بإعطائه شيئًا يفخر به، وهو شيء ينفع ولا يضر.


ولعل هذه هي لحظات السيرة النبوية التي مسحت آثار رحلة طويلة من المعاناة والألم، وهي اللحظة التي انتظرها المسلمون أكثر من عشرين سنة.. وسار الموكب المهيب الجليل حتى دخل صحن الكعبة؛ ليبدأ الرسول -عليه الصلاة والسلام- ومن اللحظة الأولى في إعلان إسلامية الدولة، وربانية التشريع، وليرسِّخ القاعدة الأصيلة {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ} [الأنعام: 57].

القعقاع
شخصية مميـزة
شخصية مميـزة

الاوسمه : تاريخنا / متجدد 1102280606334a47a070
عدد المساهمات : 991
نقاط : 6114
السٌّمعَة : 7
تاريخ التسجيل : 31/03/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخنا / متجدد Empty رد: تاريخنا / متجدد

مُساهمة من طرف القعقاع الإثنين 15 أغسطس - 16:23


الفتوحات الاسلامية فى رمضان
(الجسر والبويب.. من الانكسار إلى الانتصار)


د. راغب السرجاني
تاريخنا / متجدد 17192_image002
ترتبط البدايات الأولى لتلك الفتوحات بعد انتهاء حروب الردة، فقد وجد المسلمون أن عليهم أن ينشروا الإسلام في تلك البلاد، وبدأ ذلك عندما طارد المثنى بن حارثة بعض المرتدين حتى دخل جنوب العراق، فاستأذن أبا بكر t.

كان مع الفرس عشرة أفيال منها الفيل الأبيض، وهو أشهر وأعظم أفيال فارس في الحرب، وتقدمت الجيوش الفارسية يتقدمها الفيلة إلى الجيش الإسلامي، وتراجعت القوات الإسلامية تدريجيًّا أمام الأفيال، ولكن خلفهم نهرين فاضطروا للوقوف انتظارًا لهجوم الأفيال وقتالها، وكانت شجاعة المسلمين وقوتهم فائقة ودخلوا في القتال، ولكن الخيول بمجرد أن رأت الأفيال فزعت وهربت، لكن أبا عبيد استقتل وقال: لأقاتلَنَّ حتى النهاية. وأمر أبو عبيد أن يتخلى المسلمون عن الخيول، ويحاربوا الفرس جميعًا وهم مشاة، وفقد المسلمون بذلك سلاح الخيول، وأصبحوا جميعًا مشاة أمام قوات فارسية مجهزة بالخيول والأفيال.

ولم يتوانَ المسلمون عن القتال وتقدم أبو عبيد بن مسعود الثقفي t وقال: دلوني على مقتل الفيل. كما قال من قبل المثنى بن حارثة t، فقيل له: يقتل من خرطومه. فتقدم t ناحية الفيل الأبيض بمفرده، فقالوا له: يا أبا عبيد، إنما تلقي بنفسك إلى التهلكة وأنت الأمير. فقال والله لا أتركه، إما يقتلني وإما أقتله. وتوجه ناحية الفيل وقطع أحزمته التي يُحمل فوقها قائدُ الفيل، ووقع قائد الفيل وقتله أبو عبيد بن مسعود، ولكن الفيل لا يزال حيًّا وهو مُدرَّب تدريبًا جيدًا على القتال، وأخذ أبو عبيد يقاتل هذا الفيل العظيم، ويقف الفيل على قدميه الخلفيتين ويرفع قدميه الأماميتين في وجه أبي عبيد، ولكنَّ أبا عبيد لا يتوانى عن محاربته ومحاولة قتله، وعندما يشعر بصعوبة الأمر يوصي من حوله: إن أنا مِتُّ، فإمرة الجيش ثم لفلان ثم لفلان ثم لفلان؛ ويعدِّد أسماء من يخلفونه في قيادة الجيش.

وهذا أيضًا من أخطاء أبي عبيد؛ لأن أمير الجيش يجب أن يحافظ على نفسه ليس حبًّا في الحياة ولكن حرصًا على جيشه وجنده في تلك الظروف، وليس الأمر شجاعة فحسب؛ ولأنه بمقتل الأمير تنهار معنويات الجيش وتختل الكثير من موازينه. ومن الأخطاء أيضًا أن أبا عبيد أوصى بإمارة الجيش بعده لسبع من ثقيف منهم ابنه وأخوه والثامن المثنى بن حارثة، وكان الأولى أن يكون الأمير بعده مباشرة المثنى أو سليط بن قيس، كما أوصاه عمر بن الخطاب t.

استشهاد أبي عبيد وتولي المثنى

تاريخنا / متجدد 17192_image003
ويواصل أبو عبيد قتاله مع الفيل ويحاول قطع خرطومه لكن الفيل يعاجله بضربة فيقع على الأرض، ويهجم عليه الفيل ويدوسه بأقدامه الأماميتين فيمزِّقه أشلاء t، وتقبله في الشهداء.. ويتولى إمرة الجيش بعده مباشرة أول السبعة ويحمل على الفرس ويستقتل ويُقتل، وكذا الثاني والثالث وهكذا، وتأتي الإمرة للمثنى بن حارثة، والأمر كما نرى في غاية الصعوبة، والفرس في شدة هجومهم على المسلمين.. وبدأ المسلمون في الانسحاب.. ويخطئ أحد المسلمين خطأ جسيمًا آخر، فيذهب عبد الله بن مرثد الثقفي ويقطع الجسر بسيفه ويقول: والله لا يفر المسلمون من المعركة؛ فقاتلوا حتى تموتوا على ما مات عليه أميركم. ويستأنف الفرس القتال مع المسلمين، ويزداد الموقف صعوبة، ويُؤتى بالرجل الذي قطع الجسر إلى قائد الجيش المثنى بن حارثة، فيضربه المثنى ويقول له: ماذا فعلت بالمسلمين؟ فقال: إني أردت ألا يفرَّ أحد من المعركة. فقال: إن هذا ليس بفرار.

انسحاب منظم

تاريخنا / متجدد 17192_image004
بدأ المثنى t وفي هدوء يُحسب له يقود حركة الجيش المسلم المتبقي بعد الهجمات الفارسية القاسية والشديدة، ويقول لجيشه محمِّسًا لهم: يا عباد الله، إما النصر وإما الجنة. ثم نادى على المسلمين في الناحية الأخرى أن يصلحوا الجسر ما استطاعوا، فبدءوا يصلحون الجسر من جديد، وبدأ المثنى t يقود عملية الانسحاب من المكان الضيق أمام القوات الفارسية العنيفة، وأرسل إلى أشجع المسلمين واستنفرهم ولم يستكرههم، وقال: يقف أشجع المسلمين على الجسر لحمايته. فتقدَّم لحماية الجسر عاصم بن عمرو التميمي وزيد الخيل وقيس بن سليط صحابي رسول الله وسيدنا المثنى بن حارثة على رأسهم، ووقف كل هؤلاء ليقوموا بحماية الجيش أثناء العبور، ويحموا الجسر؛ لئلا يقطعه أحد من الفرس.

ويقول المثنى بن حارثة للجيش في هدوء غريب: "اعبروا على هيِّنَتكم ولا تفزعوا؛ فإنا نقف من دونكم، والله لا نترك هذا المكان حتى يعبر آخركم". ويبدأ المسلمون في الانسحاب واحدًا تلوا الآخر، ويقاتلون حتى آخر لحظة.. ويكون آخر شهداء المسلمين على الجسر هو سويد بن قيس أحد صحابة النبي ، وآخر من عبر الجسر هو المثنى بن حارثة t. وبمجرد عبوره الجسر قطعه على الفرس، ولم يستطع الفرس العبور إلى المسلمين، وعاد المسلمون ووصلوا إلى الشاطئ الغربي من نهر الفرات قبل غروب الشمس بقليل، وكما نعرف فالفرس لم يكونوا يقاتلون بالليل؛ لذا تركوا المسلمين، وكانت فرصة للجيش الإسلامي لكي ينجو منسحبًا إلى عمق الصحراء.

كانت موقعة الجسر في 23 من شعبان 13هـ، وكان أبو عبيد قد وصل إلى العراق في 3 من شعبان، وكانت أولى حروبه النمارق في 8 من شعبان، ثم السقاطية في 12 من شعبان، ثم باقسياثا في 17 من شعبان، ثم هذه الموقعة في 23 من شعبان.. وخلال عشرين يومًا من وصول أبي عبيد بجيشه انتصر المسلمون في ثلاث معارك وهزموا في معركة واحدة قضت على نصف الجيش، ولم يبق مع المثنى t غير ألفين من المقاتلين، وأرسل المثنى بالخبر مع عبد الله بن زيد لعمر بن الخطاب، ويبكي عمر t على المنبر، ويُعلِم المسلمين حتى يستنفرهم للخروج مرة أخرى؛ لمساعدة الجيش الموجود في العراق.

عودة الروح

بعد أن انسحب المثنى بقواته من الجسر، فعل شيئًا غريبًا، فقد وصل إلى منطقة الحفير، وتابعتهم بعض قوات الفرس في اليوم الثاني للمعركة 24 من شعبان.. يأخذ المثنى مجموعة من الجيش ويقرر الهجوم على الجيش الفارسي لسحب فرحة النصر منهم، وتقدم t صوب أُلَيِّس, ووجد حامية صغيرة من الفرس تسير على نهر الفرات، فيحاصرها ويقتل من فيها.. ورغم صغر حجم هذه الموقعة إلا أنها أحدثت هزّة عنيفة في الفرس, فلم يكن الفرس يتوقعون على الإطلاق أنه ما زالت لدى المسلمين قوة تمكنهم من الدخول في أي قتال أو معارك بعد الجسر، كما أحدثت هذه الموقعة الصغيرة رفعًا لمعنويات الجيش الإسلامي.



القعقاع
شخصية مميـزة
شخصية مميـزة

الاوسمه : تاريخنا / متجدد 1102280606334a47a070
عدد المساهمات : 991
نقاط : 6114
السٌّمعَة : 7
تاريخ التسجيل : 31/03/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخنا / متجدد Empty رد: تاريخنا / متجدد

مُساهمة من طرف القعقاع الإثنين 15 أغسطس - 16:25



معركة البويب رمضان 13هـ

تاريخنا / متجدد 17192_image005
توجه الجيش الفارسي من المدائن في طريقه إلى الحيرة، وذلك لمقابلة المثنى بن حارثة الذي يعسكر بجوار الحيرة، وعلمت المخابرات الإسلامية بهذا الأمر واستفاد المثنى t من الأخطاء السابقة ومن خبراته مع خالد بن الوليد t، فقرر أن يختار هو مكان المعركة، وتوجه بجيشه إلى منطقة تُسمَّى البُوَيْب، وأرسل رسائل إلى أمراء القوات الإسلامية القادمة من المدينة بأن يتوجهوا إلى هناك، وكان المكان الذي اختاره في غرب نهر الفرات.. فهذا النهر يفصل بين الجيش الإسلامي والجيش الفارسي القادم من المدائن، وجاء المدد الإسلامي وانضم إلى جيش المثنى t، وأصبح قوام الجيش ثمانية آلاف، والجيش الفارسي ما بين الستين والسبعين ألفًا على الضفة الأخرى لنهر الفرات.

وأرسل الجيش الفارسي -كالعادة- رسالة إلى المثنى t، فيها: إما أن تعبروا إلينا وإما أن نعبر إليكم. فأجاب المثنى t الفرس بأن يعبروا هم إلى المسلمين.. كان المثنى t قد نظم جيشه جيدًا، فجعل على الميمنة بشير بن الخصاصية t، وعلى الميسرة بُسر بن أبي رُهم، وكان المثنى t في مقدمة الجيش، وجعل فرقة في الجيش باسم فرقة الاحتياط كانت في المؤخرة لا تشترك في القتال، وعلى رأس هذه الفرقة مذعور بن عدي، وفرقة للخيول على رأسها أخوه مسعود بن حارثة، وعلى فرقة المشاه المُعَنَّى بن حارثة، وبدأ يحفِّز الجيش للقتال، ويمر على كل قبيلة بمفردها قائلاً لأهلها: والله لا نحب أن نُؤتى من قبلكم اليوم، ولا أكره شيئًا لي إلا أكرهه لكم. وأصبح الجيش المسلم مهيأ للقتال جيدًا، وبدأ الجيش الفارسي يعبر الجسر الضيق إلى أرض حاصرها المسلمون في كل مكان، ويتكرر المشهد.

فعندما يعبر الفرس يكونون شرق نهر الفرات، وفي غربهم البحيرة، وفي شمالهم نهر البويب، والجيش الإسلامي يحاصر المنطقة بأكملها، وتدخل القوات الفارسية في المنطقة الضيقة ويفتقد جيش الفرس عنصر الكثرة؛ لأن المساحة التي تركها المسلمون للفرس ضيقة، ويقف جيشهم بكامله صفوفًا بعضهم خلف بعض، ويقابل صفهم الأول فقط صف المسلمين الأول، ولا يستطيع أحد الدخول في المعركة في الصف الأول من كلا الجيشين، فلا قيمة لعدد الجيش إذن، وإنما يُبنى النصر أو الهزيمة على مدى قوة الصف المحارب من كلا الفريقين، وإن كان على المسلمين أن يحاربوا وقتًا طويلاً؛ نظرًا لكثرة الجيش الفارسي -وكان هذا اختيارًا موفقًا من المثنى t- وتعويضًا لما حدث في معركة الجسر من اختيار سيئ لأرض المعركة.

كانت فرسان الجيش الإسلامي في المقدمة وفي مقدمة الفرس ثلاثة أفيال، وأوصى المثنى جنده بالصبر في القتال، وبالفعل صبروا كثيرًا؛ ونظرًا للتدافع الشديد من قبل الفرس بدأ الفرس يهجمون على ميمنة الجيش الإسلامي بقيادة بشير بن الخصاصية t، وكان المثنى t وهو في المقدمة قد رأى اعوجاجًا في صف البشير، فأشار إلى أحد الرسل أن يذهب إليهم ويقول لهم: الأمير يُقرِئكم السلام ويقول لكم: لا تفضحوا المسلمين اليوم.

وفكر المثنى t بعد أن رأى صفوف الفرس الكثيرة متلاحمة تلاحمًا قويًّا ويصعب السيطرة عليها وهي بهذا الوضع، فقرر أن يفرِّقها لينتصر عليها، فنادى t على جرير بن عبد الله t وقبيلته بجيلة، وبدأ يضاعف الضربات على وسط الجيش الفارسي، واستطاع الجيش الإسلامي فصل الجيش الفارسي عن بعضه تمامًا، ووفَّق الله جرير بن عبد الله البجلي فقتل مهران بن باذان قائد الفرس، وبدأت قوى الجيش الفارسي تنهار أمام الضغط الإسلامي.

وبدأ الفرس يفكرون في الهرب، وذهب المثنى t بنفسه وقطع الجسر على الفرس الذين يريدون الهروب، وانحصر الفرس في هذا المكان وليس لهم إلا أن يقاتلوا، وبدأ المسلمون في معركة تصفية مع الجيش الفارسي.. انتصر المسلمون انتصارًا ساحقًا، وقُتل أكثر من خمسين ألفًا من أهل فارس.

ومع أن قطع المثنى t كان أحد أسباب النصر للمسلمين والهزيمة للفرس إلا أن المثنى t حزن لهذا الأمر؛ لأنه أكرههم على القتال، وكان يجب ألا يُقطع خط الرجعة على الفرس، وندم المثنى t وأوصى جيشه بعدم تكرار هذا الأمر في المعارك الأخرى. ولأنه ظن أنه أخطأ، جمع جيشه وعلّمه الصواب، معترفًا بخطئه غير متعالٍ على جنده.

تتبع الفارين وفتح السواد

بعد هذا الانتصار ارتفعت المعنويات الإسلامية إلى درجة عالية.. لذا لم يكتف المثنى t بما تم، وأرسل قواته لتتبع الفارِّين، ولفتح الأراضي التي كانوا قد تركوها منذ فترة قصيرة، وأرسل مجموعة من القواد مع جيوشهم إلى منطقة السواد ما بين دجلة والفرات، وانتشرت القوات الإسلامية تفتح هذه الأراضي التي كانت قد عاهدت المسلمين من قبل ثم نقضت عهودها معهم، واستخلف المثنى tt على الحيرة، وظل هو في البويب يدير الموقف. بشير بن الخصاصية

وقد تم للقوات الخمس التي أرسلها المثنى فتح الجزيرة، وكانت في منطقة ساباط قلعة يوجد بداخلها مجموعة من الفرس قد رفضوا الاستسلام، فأرسل عصمة وعاصم وجرير بن عبد الله إلى المثنى يطلبون رأيه في هذا الأمر، فأذن لهم بحصارها وقتالها، وحاصرت القوات الإسلامية الثلاث هذه المنطقة وتم فتح قلعة ساباط في هذه الموقعة (ساباط)، وبهذا سيطر المسلمون على هذه المنطقة كلها ما بين الأبلة وحتى المدائن.. كان هذا شيئًا عظيمًا للمسلمين بعد الهزيمة الكبيرة في معركة الجسر، وبعد أن ظن الفرس أنه لا قيام للجيش الإسلامي، لكن أراد الله أن يستكمل المسلمون النصر في هذه الموقعة.


د / السرجانى



القعقاع
شخصية مميـزة
شخصية مميـزة

الاوسمه : تاريخنا / متجدد 1102280606334a47a070
عدد المساهمات : 991
نقاط : 6114
السٌّمعَة : 7
تاريخ التسجيل : 31/03/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخنا / متجدد Empty رد: تاريخنا / متجدد

مُساهمة من طرف القعقاع الأربعاء 17 أغسطس - 21:13

ذكرى غزوة بدر.. الحق ينتصر رغم قوة «الباطل» وعتاده

تاريخنا / متجدد 487677484345
مقبرة بدر حيث وقعت الغزوة بالقرب منها
بدر، تقرير - نايف الصبحي
سجل التاريخ من هذه الأرض أعظم الملاحم البطولية، فمنها أشرقت شمس الإسلام، وبزغ فجره لينشر هذا الدين في جميع أنحاء المعمورة.. وفي هذه المدينة وقف المصطفي صلى الله عليه وسلم يستغيث ربه فاتته الاستجابة من فوق سبع سماوات، قال الله تعالى: (‏‏إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ)..‏‏ وعلى تراب هذه الأرض قاتل جنود السماء من الملائكة بقيادة جبريل عليه السلام جنباً إلى جنب مع جنود الأرض، بقيادة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قال تعالى: (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ).. وتحت ثراها يرقد شهداء الإسلام من صحابة نبينا صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار.
غزوة بدر هي المعركة الوحيدة من عهد سيدنا آدم عليه السلام إلى يومنا هذا التي عرفت نتيجتها قبل أن تبدأ، فقد وعد الله سبحانه وتعالى رسوله والمسلمين إحدى أمرين إما القافلة وإما النصر على المشركين، وقد نجت القافلة وغيّرت طريق سيرها فوجد المسلمون أنفسهم وجهاً لوجه أمام المشركين: (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ)..
وقال حسان بن ثابت - رضي الله عنه:
ويوم بدر إذ يصد وجوههم
جبريل تحت لوائنا ومحمد
وكانت موقعة بدر الكبرى يوم الجمعة السابع عشر من شهر رمضان المبارك، في السنة الثانية للهجرة النبوية، وتصادف اليوم الجمعة السابع عشر من شهر رمضان من عام 1431ه.



تاريخنا / متجدد 411538958261
مدخل مدينة بدر جنوب غرب المدينة المنورة




لماذا سميت بدر؟
سميت بدراً كما تقول الروايات نسبة إلى اسم بدر بن يخلد بن النضر، وهو من كنانة، وقيل من بني ضمرة، وكان هذا الرجل قد سكن هذا المكان فنسب إليه، وسمي به، وبعد ذلك غلب على المكان الاسم، وكان قرية صغيرة قليلة السكان، وقيل إن الاسم جاء انتساباً إلى بدر بن قريش، الذي حفر بئراً في هذا المكان، فسميت البئر باسمه، ثم غلب الاسم على المكان، وعرفت بماء بدر، والرجل الذي حفر البئر هو ابن لقريش من بني الحارث بن يخلد، وكان دليل قريش وصاحب ميرتها (الميرة: جلب الطعام)، وقد غلب اسمه على المكان وسمي بدراً.
وتعد بدر من المواقع المشهورة قبل الإسلام، وبعده، وتكمن شهرتها قبل الإسلام لشهرة مائها (ماء بدر)، وكذلك لأنها أحد الأسواق المشهورة عند العرب آنذاك، حيث كانت تقام في بدر سوق مشهورة للعرب من الأول من ذي القعدة إلى الثامن منه، وكانت بدر على طريق القوافل التجارية المتجهة إلى الشام من مكة، وهي أيضاً على الطريق القادم من المدينة إلى الجار (ميناء المدينة القديم على البحر الأحمر)، ولقد نالت مدينة بدر شرفاً كبيراً لم تنله غالبية مدن العالم، وهو شرف ذكرها في القرآن الكريم.
قال الله تعالى في محكم التنزيل: (ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون)، وهي الآن عبارة عن ملتقى طرق مهم بين المدينة المنورة وينبع وجده ومركز إقليمي يخدم أكثر من (30) قرية ومركز ثقافي وتسويقي لتلك القرى.

الموقعة الكبرى
كانت هذه الغزوة حداً فاصلاً بين الإيمان والكفر، إذا عز الله فيها الإسلام وأهله، وأذل فيها الشرك وأهله، فأصبحت (بدر) لها مكانة عظيمة في تاريخنا الإسلامي، وشارك في هذه المعركة عدد من الملائكة الكرام، وكانت نتيجة هذه المعركة الخالدة مقتل (70) رجلاً وأسر (70) رجلاً من المشركين واستشهاد أربعة عشر صحابياً.

معالم ومواقع تاريخية
* مسجد العريش: وهو موقع العريش الذي بناه الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم في يوم بدر.
* مقبرة شهداء بدر: وتضم رفاه أربعة عشر شهيداً (6 من المهاجرين و8 من الأنصار)، وهم: من المهاجرين: (عبيدة بن الحارث، عمير بن أبي وقاص، ذو الشماليين بن عبد عمرو، عاقل بن البكير، مهجه بن صالح، صفوان بن وهب)، ومن الأنصار: (سعد بن خيثمة، مبشر بن عبدالمنذر، يزيد بن الحارث، عمير بن الحمام، رافع بن المعلي، حارثة بن سراقة، عوف، ومعوذ ابناء عفراء).
* العدوة الدنيا: (مكان قدوم المسلمين من المدينة المنورة).
* العدوة القصوى: (مكان قدوم المشركين من مكة المكرمة).
* جبل الملائكة: (الجهة الغربية من محافظة بدر حالياً).



القعقاع
شخصية مميـزة
شخصية مميـزة

الاوسمه : تاريخنا / متجدد 1102280606334a47a070
عدد المساهمات : 991
نقاط : 6114
السٌّمعَة : 7
تاريخ التسجيل : 31/03/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخنا / متجدد Empty رد: تاريخنا / متجدد

مُساهمة من طرف القعقاع الخميس 18 أغسطس - 13:59

فتح القرم فى رمضان

د. خالد فهمي
من آفات العقل العربي والإسلامي المعاصر الوقوع في فخ النسيان، وفي فخ الاختزال، وهو ما أدعو القارئ الكريم إلى التسليم معي به؛ مما يدعونا إلى أن نقرر أننا في حاجةٍ ماسةٍ إلى التذكر.

أقول هذا من قسوته على مسامع القارئين، وعندي دليل مبدئي موجز هنا على صحة دعواي، وهي أن محمدًا الفاتح يختزل في العقل المسلم إلى فاتح القسطنطينية، وحسبك بهذا فخرًا وشرفًا ومجدًا، لكنه ليس كل الأمر في تقدير وزن الفاتح رضي الله عنه، وهو الأمر الذي يوشك مع تكرار والإلحاح عليه أن يكون مملولاً، مستهانًا به مع استمرار الاحتفاء به وحده، معزولاً عن كبريات الإنجازات التي أجراها الله -سبحانه وتعالى- على يد هذا الفاتح العادل العظيم.

والقرم شبه جزيرة داخلة في نطاق جغرافية روسيا، وهو ما يلفت النظر إلى أن الإسلام امتدَّ سلطانه حتى يسيطر على عدد ضخم من مدن أوربا من جهة روسيا والمجر وبولندا، وهو ما ينبغي تفهمه في إطار صناعة العلاقات على الجمهوريات الروسية المختلفة، باعتبار أن الإسلام ظلَّ واحدًا من الروافد المهمة التي شكلت ثقافة هذه البلاد حتى مشارف العصر الحديث.

وقد شكلت القرم التي فُتحت في (رمضان 889هـ/ 1474م) بما عاش فيها من شعوب أسلمت على أثر فتحها جزءًا من العالم الإسلامي، ما يتضح من كتاب بروكلمان "تاريخ الشعوب الإسلامية".

ومن هذا الذي نذكره من فتح القرم وتحويل شعبها إلى الإسلام بأثر ما وجدوه من عظمة الدين نلاحظ ما يلي:

أولاً: حاجة العقل المعاصر فتح الملف المتعلق بتاريخ الدولة العثمانية، وتصحيح الصور الشائهة التي روَّج لها الغرب بعد صراعه الطويل معها، وخسارة الرهيبة من ضرباتها وفتوحها، فما تزال أوربا المسلمة -إن صح هذا التعبير- في ألبانيا وكوسوفا وروسيا وبولندا والمجر وغيرها بعضًا من منح الدولة العثمانية، وهو بعض المفهوم من كتاب المنح الرحمانية في الدولة العثمانية وذيله لمحمد بن أبي السرور البكري الصديقي.

ثانيًا: ضرورة إعادة النظر في المناهج الدعوية والتربوية المتعاطية مع أعلام الإسلام العظام لتغذية الوجدان الإسلامي المعاصر، بعد أن اتضح أن منجز محمد الفاتح ليس مقصورًا على فتح القسطنطينية على جلال قدرها هذا الفتح، وإنما ينبغي أن تجاوزه إلى قراءة المنجز الحضاري والحربي الذي حققه للإسلام لما فتحه من بلدان روسيا وأوربا معًا، فقد رصد الدكتور سالم الرشيد -في كتابه المهم عن المهم عن محمد الفاتح (طبعة الحلبي 1956م)- له الفتوحات التالية: صربيا، والبوسنة والهرسك، فتح أثينا، والمورة، وغيرها.

ثالثًا: ضرورة تقديم نماذج بجوار النماذج الأولى محمد الفاتح وغيره من قيادات العالم الإسلامي المتأخرين لا يصح أن يغيبوا لمصلحة عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد وعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وغيرهم؛ لأن الإسلام صاحب حضارة ولود منتجة.

رابعًا: تأمل تفاصيل فتح القرم والتعامل مع ثقافة التتار المسلمين، وطبيعة الجغرافية والأرض المجاورة للدولة العثمانية، قائد إلى أمور مهمة جدًّا تصب في ضرورة إعادة فتح ملف التعليم في العالم العربي والإسلامي؛ لأن واحدًا من الأسباب التي عزاها المؤرخون للمقدرة والعبقرية الحربية التي أظهرها محمد الفاتح راجع إلى الثقافة الممتازة التي حصلها محمد الفاتح في نطاق نسق تعليمي متقدم جدًّا، وهو ما يؤكده الدكتور سالم الرشيدي عندما يقرر أن عناية محمد الفاتح بالعلم والعلماء هو السبب الخطير في تقدمه الحربي والحضاري.

خامسًا: برز الإسلام عاملاً مهمًّا في قيادة حركة الفتوحات التي قادها محمد الفاتح وهو الأمر الذي حاول ولم يزل بعض أنصار القومية التركية بعد مد أتاتورك العلماني أن يعزو التقدم العثماني بتفسير خصائص القومية التركية، وهو الأمر الذي يكذبه المؤرخون، يقول سالم الرشيدي ص280: "وإذا صح أن يقال: إن العرب إنما قامت دولتهم ومجدهم بفضل الإسلام، وأنهم ما كانوا ليكونوا شيئًا في التاريخ لولا هذا الدين، صح أن يقال: إن العثمانيين إنما قامت دولتهم ومجدهم بفضل الإسلام، وأنهم ما كانوا ليكونوا شيئًا في التاريخ لولا هذا الدين".

هذا الصوت الأخير هو الأمر المستقر في أدبيات الذين عرفوا تاريخ الدولة العثمانية من قبل محمد عنان، ونادية مصطفى، والصلابي، وعبد الرزاق بركات، ومحمد حرب، وغيرهم.

باسم الإسلام وباسم الثقافة الإسلامية الممتازة، وباسم التربية على تقدير جلال العلم والعلماء، امتد سلطان محمد الفاتح فحرر وفتح ما لم يتم فتحه خلال تاريخ ممتد مع توافر المحاولات؛ ليقوم الدليل مجددًا على أن مواهب الله -سبحانه وتعالى- ليست حكرًا على عصر بعينه، وأن عطاءاته تتنزل دومًا بحسبان الإسلام هو الدين الخاتم.

المصدر: موقع إخوان أون لاين.

القعقاع
شخصية مميـزة
شخصية مميـزة

الاوسمه : تاريخنا / متجدد 1102280606334a47a070
عدد المساهمات : 991
نقاط : 6114
السٌّمعَة : 7
تاريخ التسجيل : 31/03/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخنا / متجدد Empty رد: تاريخنا / متجدد

مُساهمة من طرف ghada الخميس 18 أغسطس - 16:26

بارك الله فيك

ghada
شخصية مميـزة
شخصية مميـزة

عدد المساهمات : 205
نقاط : 4990
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 03/06/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخنا / متجدد Empty رد: تاريخنا / متجدد

مُساهمة من طرف القعقاع السبت 20 أغسطس - 16:59

ghada كتب:
بارك الله فيك




وفيكم يبارك الله

القعقاع
شخصية مميـزة
شخصية مميـزة

الاوسمه : تاريخنا / متجدد 1102280606334a47a070
عدد المساهمات : 991
نقاط : 6114
السٌّمعَة : 7
تاريخ التسجيل : 31/03/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخنا / متجدد Empty رد: تاريخنا / متجدد

مُساهمة من طرف القعقاع السبت 20 أغسطس - 17:05


فتح سرسوقة

د. خالد فهمي
عرفت الأدبيات المعنية بالتأريخ للتشريع الإسلامي وفلسفته؛ أن واحدًا من دلالات الأمر الإلهي بصيام رمضان كان منصرفًا إلى كونه إعدادًا حقيقيًّا، وتمهيدًا بديعًا للتوصل إلى الأمر بالقتال، وهو ما يدعمه توالي الأمرين معًا في تاريخ التشريع؛ إذ نزل الأمر بصيام شهر رمضان، ثم أعقبه التشريع بالإذن بالقتال.

ومنذ هذا التاريخ والوعي الجمعي الإسلامي يربط بين هذا الشهر وبين تجليات النصر فيه، باعتبارهما من متلازمات القضايا في التصور الشعبي والثقافي عند المسلمين.

وهو الأمر الذي نحتاج إلى ترسيخه؛ لأن الانطلاق نحو تجديد وعي الأمة بمكانتها إذا انطلق من هذه الأجواء المنبثقة من شهر رمضان كان وعيًّا جديرًا بأن يختزل المسافات وتقترب بالأمة الإسلامية من المثال الذي طالما عُرِفَ عنها في تاريخ الحضارة قديمًا من أنها وهبت الإنسانية ما لم تستطع حضارة أخرى أن تهبه لها.

وشهر رمضان في هذا العام يأتي في أجواء تحتاج فيها الأمة إلى التذكير بعالمية رسالتها، وبأن اختلال التراتب في قوائم القيادة، والسيادة بين الدول مما انعكاسه سيئ على عالمنا الإسلامي، لا يصح أن يهزمنا نفسيًّا، ولا يصح أن ينسينا أننا أصحاب رسالة تتجاوز حدودها المحلية والإقليمية؛ ذلك أن الإسلام في التصور القرآني والتاريخي دين عالمي بعث الله به محمدًا صلى الله عليه وسلم للناس كافة!

ولقد فهمت الأمة كلها على امتداد جغرافيتها ذلك الأمر، واستمر حاضرًا في حركة نشره في العالم من خلال الفتوحات الإسلامية التي استمرت حتى هجوم الغرب على ديارنا مع حركة الاستعمار الأوربية لبلادنا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين.

ومن أجل ذلك فإن التوقف أمام فتوحات المسلمين للبلدان الغربية ربما يُسهم في دعم التذكير بعالمية هذا الدين من جانب، ومقاومة لطوفان اليأس الذي يغمر قطاعات كثيرة من أبناء عالمنا العربي والإسلامي تحت ضغط التفوق الأمريكي والأوربي معًا.

ولقد كان هذا الوعي بعالمية الرسالة ظاهرًا جدًّا مع بواكير الدعوة الإسلامية، ومن أمثلته الباكرة فتح سرقوسة التي فُتحت في رمضان (264هـ/ 878م).

وسرقوسة في الجغرافية العربية القديمة: "أكبر مدينة بجزيرة صقلية" على ما يقدره ياقوت الحموي في معجم البلدان (3/214)، وقد رصد لها الجغرافيون القدامى ما يعكس تقدمها وعمرانها.

ومن المهم أن نذكر أن فتح سرقوسة كان مرحلة شبه مستقلة من حركة الحروب التي استهدفت فتح جزيرة صقلية كلها.

وفي هذا السياق ينبغي أن نتأمل مجموعةً من العلامات الدالة على خط حركة الفتوحات الإسلامية وما قدمته للإنسانية في النقاط التالية:

أولاً: برهن المسلمون عن وعيهم بعالمية رسالتهم في الأقطار كافة، وهو ما نلمحه من خلال معرفتنا بأن الذي تم له فتح سرقوسة كان هم الأغالبة، بمعنى أن حركة الفتوحات الإسلامية لم تكن حكرًا على مسمى المشرق الإسلامي في يومٍ من الأيام، كما يحلو لبعض الدارسين أن يتصوروا أن حركة الفتوحات كانت حركة عربية قومية، على ما يشيع في كثير من كتابات المؤرخين المعاصرين الذين تشكلت أفكارهم في أثناء المد القومي!

ثانيًا: اعتراف مؤرخي الحضارات بالأثر الجبار الذي خلَّفه المسلمون في المدينة برمتها، وفي مدة وجيزة جدًّا على ما يقرره مثلاً كارل بروكلمان في "تاريخ الشعوب الإسلامية"؛ حيث يقرر ص249: "وفي الحق أن سنوات السلام التي قُدِّر العرب أن ينعموا بها في صقلية (سرقوسة) منذ ذلك الحين كانت كافيةً لنشر حضارتهم، والتمكين لها في ربوع الجزيرة إلى درجة بعيدة، حملت النورمانديين الذين (خلفوا العرب في حكم هذه البلاد) على أن يأخذوا عن العرب نظامهم الإداري ويقتبسوا العناصر الأساسية للثقافة الإسلامية في حياتهم الفكرية والعينية أيضًا". ففي هذه الشهادة التي يشهد بها واحد من أساطين الاستشراق الغربي كافية في هذا السياق لإعادة التمكين لجلال الفكرة الإسلامية التي حركت الفتوحات بدافع ديني وحضاري معًا يستهدف الخير للبشرية.

وهذا الوجه المضيء هو الوجه الذي ينبغي أن نواجه به أوربا والولايات المتحدة الأمريكية في مواجهاتها للعالم الإسلامي.

ثالثًا: إن القدرة الحربية المبكرة التي مكنت دولة الأغالبة (من المغرب العربي) من فتح هذه الجزيرة بما فيها سرقوسة بحصونها الطبيعية والصناعية تعيد فتح ملف التقدم العلمي في أواخر القرن الثالث الهجري، أي بعد ما يقرب من مائتي سنة فقط من عمر الدين الجديد باسم المعرفة الحديثة التي حازتها من فتح بلدان في عمق بحار عريقة جدًّا.

وهذه النقطة تعيينًا تفتح ملفًا مهمًّا ومهملاً معًا من جانب المعاصرين يتعلق بضرورة استثمار تخصص أصيل عُرِفَ في الأدبيات التاريخية والجغرافية باسم السفن الإسلامية، وهو تخصص له تاريخه ومصطلحاته للدرجة التي صنفت فيها كثير من المعاجم التي تعترف بما كان للعرب من تقدم هائل في مجال صناعة السفن والبحار.

هذه ثلاث نقاط فقط تبعث على التأمل والعمل معًا من أجل إيجاد آلية لدعم ما يُسمَّى به سقور الوحدة الثقافية بين أبناء العالم الإسلامية على امتداد بقاعه الجغرافية، وهو الأمر الذي كان موجودًا في ظل غياب ما هو قائم الآن من ثورة في الاتصالات غير مسبوقة، وهذه الوحدة قد تجلت أبعادها في أن حركة الفتوحات الإسلامية صنعها المسلمون جميعًا، من المشرق العربي ومن المغرب العربي، من المسلمين ذوي الأصول العربية ومن المسلمين ذوي الأصول غير العربية معًا.

باسم الإسلام وحضارته ووحدة شعوبه تقدم الفتح لينعم العالم تحت ظلاله، وفي أجواء رمضان الذي هو شهر الله تعالى تمت هذه الفصول البيضاء الرائعة.

القعقاع
شخصية مميـزة
شخصية مميـزة

الاوسمه : تاريخنا / متجدد 1102280606334a47a070
عدد المساهمات : 991
نقاط : 6114
السٌّمعَة : 7
تاريخ التسجيل : 31/03/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخنا / متجدد Empty رد: تاريخنا / متجدد

مُساهمة من طرف شجون الايمان السبت 20 أغسطس - 19:42

بســم الله الـرحمــن الرحيــم

السلام عليكــم ورحمـة الله وبركاتــة ،،


تاريخنا / متجدد 27408love

شجون الايمان
شخصية مميـزة
شخصية مميـزة

عدد المساهمات : 358
نقاط : 5336
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 25/02/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخنا / متجدد Empty رد: تاريخنا / متجدد

مُساهمة من طرف القعقاع الأحد 21 أغسطس - 0:23

شجون الايمان كتب:
بســم الله الـرحمــن الرحيــم

السلام عليكــم ورحمـة الله وبركاتــة ،،


تاريخنا / متجدد 27408love



وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
ولكم بمثل ما دعوتم لنا وزيادة
ابنتنا الفاضلة

القعقاع
شخصية مميـزة
شخصية مميـزة

الاوسمه : تاريخنا / متجدد 1102280606334a47a070
عدد المساهمات : 991
نقاط : 6114
السٌّمعَة : 7
تاريخ التسجيل : 31/03/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخنا / متجدد Empty رد: تاريخنا / متجدد

مُساهمة من طرف القعقاع الأحد 21 أغسطس - 15:43


هل ثمة فاروق يمكن أن نتلمسه في حركة الفتوحات الإسلامية التي فتحت المشرق العربي الذي صار إسلاميًّا بما ضم إليه من العراق وما وراءها والشام إلى مصر عن أختها حركة الفتوحات التي توجَّهت إلى الأندلس وبلدان أوربا؟!

ٍهل كانت أجيال الفاتحين في عهد الخلافة الراشدة مختلفة عن أجيال الفاتحين في عهد الخلافة الأموية؟ وهل ثمة اختلاف في ثقافة كلٍّ من الجيلين؟

إني أريد أن أسعى إلى توجيه سؤال يريد أن يتوارى خلف هذه المقدمات، وهو: لماذا سقطت الأندلس بعد هذا العمر الطويل من سيطرة العرب عليها؟!

أحسب أن الاحتكام إلى مقولة احتواء الإسلام لأبناء الشرق والتعاطي مع ما بقي ثقافتهم غير المخاصمة للإسلام، كان هو كلمة السر في بقائه "هنا"، ورحيل المسلمين عن "هناك"!

لم تفرد الأدبيات التاريخية مساحة واسعة لفتح شذونة (رمضان 92هـ)، وهي من البلدان الحدودية المطلة على البحر المتوسط من جنوب الأندلس، كما حدث مع القادسية باب فارس في الجاهلية، وهو أول فارق في فلسفة الفتح يفاجئك في قراءة التعاطي مع بلدان الحدود في فتوحات جيل الدولة الراشدة وفتوحات جيل الدولة الأموية، وهو ما انعكس بدوره على تعامل الأدبيات التاريخية العربية مع كلا الفتحين.

كانت آثار المعرفة الجغرافية والتاريخية ببلدان فارس وتقدير خطرها عاملاً حاسمًا في حماية مكاسب فتح فارس الذي تجلَّى في تمصير مدن عربية كاملة من العدم تكون عمقًا استراتيجيًّا يمنع من استرداد فارس لبلدان إمبراطوريتها الذاهبة.

كان قرب جيوش الفتح من عصر النبوة بما استقر في نفوسهم من فعل الهجرة ذا أثر حاسم في الهجرة إلى بلدان جديدة سلكها العرب في البصرة والكوفة في الطريق إلى القادسية وفارس، لقد كان مسكن القبائل العربية في الطريق إلى الأمم المفتوحة عاملاً حاسمًا في تغيير الخريطة الديمغرافية السكانية التي حمت مكتسبات الفتح الراشد؛ لأنها ذوبت العناصر الثقافية عن طريق الاحتواء السكاني، وهو ما لم يحدث في فتوحات دولة بني أمية للأندلس.

وربما كان البربر -وهم أغلبية في جيش فتح الأندلس- سببًا آخر في عدم استدامة الفتح وانهياره بعد ثمانية قرون!

هل فَتُرَت ثقافة الهجرة فغاب الأندلس؟!.. ربما!

أمر آخر نلمسه في قراءة أحداث فتح شذونة (أول ما يقابل من بلاد الأندلس من جهة البحر قادمًا من بلدان المغرب)؛ هو أن حركة الجيوش كان أبعد عمق لها هو القبائل المتأخرة لمضيق جيل طارق من بلاد المغرب، وهي مسافة بعيدة جدًّا عن مقر الحكم المركزي في الشام لدولة بني أمية؛ مما يوحي بغياب أو خفوت الصوت العربي من أبناء الصحابة والتابعين، وهو أمرٌ له أثار سلبية على توجيه حركة الإعمار الفكري في داخل الأندلس نفسها..

وهو ما ظهر في بقاء عدد ضخم من النصارى يعملون بما يسمى استرداد الأندلس، ولو أن العنصر العربي الإسلامي الذي ظهر في فتوحات أبي بكر وعمر وعثمان -رضي الله عنهم- كان بارزًا في حركة فتوحات الأندلس بما يميزه من تقديرٍ لقيمة المَعْلم، وبما يميزه من القدرة على التغير باسم المعايشة، لربما تغير أمر الأندلس، ولربما لم تنجح حركة ما يسمى باستيرادها.

ثمة أمر آخر لا أحب أن أقف أمامه طويلاً، وهو: هل كان لحظ النفس أثر في البدايات انعكست على نهايات الوجود المسلم في الأندلس؟!

تقول الأدبيات التاريخية: إن طارق بن زياد بدأ فتح الأندلس وبدأ فتح شذونة، ثم حسده سيده موسى بن نصير فأسرع ليتم الفتح معه، وهو ما ظهر في غير مصدر تاريخي قديم وحديث في تعبيره!! وأتم موسى بن نصير فتح شذونة.

وأنا بطبيعة الحال أقلق من مثل هذه التفاسير مع إمكان وجودها، لكن المهم هو أن التعامل مع الأندلس في لحظة من اللحظات تمَّ على اعتبارها جزءًا معزولاً عن جسد الخلافة في المشرق، وربما دعم هذا قيام الدولة الأموية في الأندلس بعد سقوطها في المشرق، واستمرت إلى أوائل القرن الخامس الهجري (403هـ) على التعيين.

فتح شذونة (رمضان 92هـ) وما أثير حوله من كتابات قليلة يفتح الباب إلى أن نتعلم من أخطاء ما كان ينبغي أن تقع.

باسم الإسلام فُتحت الأندلس، وفُتحت أولى محطاتها في شذونة، وباسمه تم تعميرها زمانًا طويلاً، لكن الفتح لم يَدُمْ سوى ثمانية قرون، وهو أمر ندعو إلى قراءة أبعاده وتجلِّياته.

ثمة فارق بين فتوح القارئين وفتوح المقاتلين، وهو ما أدعو المتخصصين في حركة الفتوح الإسلامية إلى أن يولوه فضل عناية.

بقلم: د. خالد فهمي[1]

المصدر: موقع إخوان أون لاين.

القعقاع
شخصية مميـزة
شخصية مميـزة

الاوسمه : تاريخنا / متجدد 1102280606334a47a070
عدد المساهمات : 991
نقاط : 6114
السٌّمعَة : 7
تاريخ التسجيل : 31/03/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخنا / متجدد Empty رد: تاريخنا / متجدد

مُساهمة من طرف القعقاع الأربعاء 7 سبتمبر - 15:44


فتح عمورية فى شهر رمضان

وقع في عهد الخليفة المأمون فتنةٌ عظيمةٌ كادت أنْ تودي بالخلافة الإسلامية العباسية، وقادها بابك الخُرَّمي، وكان زعيمَ فرقةٍ ضالةٍ، تُؤمن بالحلول وتناسخ الأرواح، وتدعو إلى الإباحية الجنسية.

وبدأت تلك الفتنة تُطِلُّ برأسها في أذربيجان، ثمَّ اتسع نطاقها لتشمل همدان وأصبهان، وبلاد الأكراد وجرحان، وحاول المأمون أنْ يقضي عليها؛ فأرسل الحملات تَتْرى؛ لقمع تلك الفتنة، لكنه تُوفي دون أن يُحقق نجاحًا، وانتقلت مهمة القضاء على هذه الفتنة إلى الخليفة المعتصم بالله الذي أعانة الله فأخمدها، وأسر قائدها وقتله.

الروم في بلاد الإسلام

وكان من نتائج هذه الفتنة أنِ اتَّصل قادتها -وعلى رأسهم بابك- بإمبراطور الروم يستحثُّونه، ويطلبون منه مهاجمة الخلافة الإسلامية العباسية التي انشغلت بقتالهم، وكان مما قالوه له: إنَّ المعتصم لم يُبْقِ على بابه أحدٌ، فإنْ أردت الخروج إليه فليس في وجهك أحدٌ يمنعك.

واستجاب ملك الروم "توفيل ميخائيل" لاستغاثة بابك، وجهَّز جيشًا يزيد قُوامه على مائة ألف جندي، وسار به إلى بلاد الإسلام، فهاجم المدن والقرى يقتل ويأسر ويمثِّل، وكانت مدينة ملطيَّة من المدن التي خرَّبها الملك توفيل، حيث قتل الكثير من أهلها، وأسر نساءها المسلمات، حتى إنَّ عددهن بلغ ألف امرأة، وكان يمثِّل بالمسلمين فيقطع آذانهم وأُنوفهم، ويَسْمِلُ أعينهم.

وكان من بين الأسيرات امرأة هاشمية تُدعى "شراة العلوية"، استغاثت بالخليفة المعتصم في أسرها، ونقل ذلك إليه؛ فلبى استغاثتها.

كما أنَّ المسلمين جميعًا في سائر الأمصار ضجُّوا واستغاثوا في المساجد والديار، ودخل إبراهيم بن المهدي على المعتصم، فانشده -قائمًا- قصيدةً طويلة يذكر فيها ما نزل بالمسلمين، ويحضُّه على الانتصار، ويحثُّه على الجهاد، ومنها:
يا غارة الله قد عاينت فانتهكـي *** هتك النساء وما فيهن يرتكـب
هبَّ الرجال على أجرامها قُتلت *** ما بال أطفالها بالذبـح تنتهـب

فخرج المعتصم من فوره نافرًا، عليه درَّاعةٌ من صوفٍ بيضاء، وقد تعمَّم بعمامة الغزاة، وعسكر غربي دجلة، وأرسل طائفة من الأمراء ومعهم جيش كبير إعانة عاجلة للمسلمين، وساروا إلى تلك الديار؛ فوجدوا الروم قد انسحبوا، حينئذ عادوا للمعتصم رحمه الله.

المعتصم يقصد عمورية

ولم يكن خليفة المسلمين ليسكت على ما حلَّ بالمسلمين، وكيف يسكت وأصوات الاستغاثات ما زالت تتردَّد أصداؤها في أذنيه، وأسرى المسلمين مع الروم؛ ولذا جمع الأمراء وسألهم: أيُّ بلاد الروم أمنع وأحصن؟ قالوا: عمُّوريَّة، لم يعرض لها أحدٌ من المسلمين منذ كان الإسلام، وهي عندهم أشرف من عاصمتهم القسطنطينية (بيزنطة). فقال: هي هدفنا.

وبدأ الخليفة يستعدُّ، فاستدعى الجيوش وتجهَّز جهازًا قيل: إنَّه لم يتجهَّز قبله بمثله، ولا غرو في ذلك؛ فالهدف عظيم، وقد أراد الله أن يجعلها حاسمة لا تقوم للروم بعدها قائمة، بل إنَّ أهدافه تعدَّت مجرَّد الأخذ بالثأر وتأديب الروم إلى فتح بلادهم كلها وضمِّها للمسلمين.

خرج المعتصم إلى عمُّوريَّة في (جمادى الأولى 223هـ/ إبريل 838م)، ولم تكن من عادة الحملات الكبرى الخروج في ذلك الوقت، غير أنَّ الخليفة كان متلهِّفًا للقاء، ورفض قبول توقيت المنجِّمين الذين تنبَّئوا بفشل الحملة إذا خرجت في هذا التوقيت.

وسار المعتصم في جحافل أمثال الجبال، وبعث الأمراء إلى مناطق الثغور، ووصل إلى قُرب طرطوس، وعند (سروج) قَسَّمَ المعتصم جيشه الجرَّار إلى فرقتين؛ الأولى بقيادة الأفشين، ووجهتها أنقرة، وسار هو بالفرقة الثانية، وبعث "أشناس" بقسم منها إلى أنقرة، ولكن من طريقٍ آخر، وسار هو في إثره، على أن يلتقي الجميع عند أنقرة.

معركة دزمون

علم المعتصم من عيونه المنتشرين في المنطقة أنَّ إمبراطور الروم قد كمن شهرًا لملاقاة الجيش الإسلامي على غرَّة، وأنَّه ذهب لمفاجأة الأفشين، وحاول الخليفة أنْ يُحَذِّرَ قائده، لكنه لم يستطع، واصطدم الأفشين بقوات الإمبراطور عند "دزمون"، وألحق الأفشين بإمبراطور الروم هزيمة مدوِّية في (25 من شعبان 223هـ/ 838م)، ولم يَحُلْ دون النصر الضباب الكثيف الذي أحاط بأرض المعركة أو المطر الغزير الذي انهمر دون انقطاع، وهرب الإمبراطور إلى القسطنطينية، وبقي قسم من جيشه في عمُّوريَّة بقيادة خاله "مناطس" حاكم "أناتوليا".

دخلت جيوش المعتصم أنقرة التي كانت قد أُخليت بعد هزيمة الإمبراطور، وتوجَّهت إلى عمورية فوافتها بعد عشرة أيام، وضربت عليها حصارًا شديدًا.

حصار عمورية

بدأ الحصار في (6 رمضان 223هـ/ 1 أغسطس 838م)، وكانت عمورية مدينة عظيمة جدًّا، ذات سور منيع وأبراج عالية كبار كثيرة، وقد تحصَّن أهلها تحصُّنًا شديدًا، وملئوا أبراجها بالرجال والسلاح، ولكنَّ ذلك لم يَفُتَّ في عضد المسلمين.

في الوقت نفسه بعث إمبراطور الروم برسوله يطلب الصلح، ويعتذر عمَّا فعله جيشه بمدينة ملطية، وتعهَّد بأن يبنيها ويردَّ ما أخذه منها، ويُفرج عن أسرى المسلمين الذين عنده، لكنَّ الخليفة رفض الصلح، ولم يأذن للرسول بالعودة حتى أنجز فتح عمورية.

ابتدأت المناوشات بتبادل قذف الحجارة ورمي السهام، فقُتل كثيرون، وكان يمكن أنْ يستمرَّ هذا الحصار مدة طويلة، لولا أنَّ أسيرًا عربيًّا قد أسره الروم دلَّ الخليفة المعتصم على جانبٍ ضعيفٍ في السور، فأمر المعتصم بتكثيف الهجوم عليه حتى انهار، وانهارت معه قوى المدافعين عنه بعد أن يئسوا من المقاومة.

دخول عمورية

ودخل المعتصم وجنده مدينة عمورية في (17 رمضان 223هـ/ 12 أغسطس 838م)، وتكاثر المسلمون في المدينة وهم يكبرون ويهلِّلون، وتفرَّقت الروم عن أماكنها، فجعل المسلمون يقتلونهم في كل مكان، ولم يبقَ في المدينة موضعٌ محصَّنٌ سوى المكان الذي يجلس فيه نائبها مناطس، وهو حصن منيع، فركب المعتصم فرسه، وجاء حتى وقف بحذاء الحصن، فناداه المنادي: ويحك يا مناطس! هذا أمير المؤمنين واقف تجاهك. فقالوا: ليس بمناطس ههنا مرتين. فرجع الخليفة ونصب السلالم على الحصن، وطلعت الرسل إليه، وقالوا له: ويحك! انزل على حكم أمير المسلمين. فتمنَّع، ثم نزل متقلدًا سيفه، فوضع السيف في عنقه، ثمَّ جيء به حتى أُوقف بين يدي المعتصم، فضربه بالسوط على رأسه، ثمَّ أمر به يمشي إلى مضرب الخليفة مهانًا.

وهكذا فتح المسلمون مدينة عمورية، وأخذوا منها أموالاً كثيرة، وأسروا أعددًا من الروم افتُدِيَ بها أسرى المسلمين.

وكان من أهداف المعتصم أنْ يستمرَّ في الجهاد حتى يفتح عاصمة الروم القسطنطينية، لكن هذا المشروع لم يُقيَّضْ له أن يُنفَّذْ، بعد أن اكتشف المعتصم مؤامرةً للتخلُّص منه دَبَّرها بعض أقربائه، كما أنَّ فتح القسطنطينية يحتاج إلى قوى بحرية كبيرة لم يكن يملكها ساعتها؛ فتوقَّف المشروع إلى حين.

وخلَّد المؤرخون اسم هذا الخليفة المسلم؛ لِما قام به من نجدة المسلمين والدفاع عنهم، كما خلَّده الشعراء، وعلى رأسهم أبو تمام حبيب بن أوس.

المصدر: موقع رسالة الإسلام.

القعقاع
شخصية مميـزة
شخصية مميـزة

الاوسمه : تاريخنا / متجدد 1102280606334a47a070
عدد المساهمات : 991
نقاط : 6114
السٌّمعَة : 7
تاريخ التسجيل : 31/03/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخنا / متجدد Empty رد: تاريخنا / متجدد

مُساهمة من طرف تسنيم الجنان الأربعاء 7 سبتمبر - 18:15

تاريخنا / متجدد Fr7-9d631e1e42
تسنيم الجنان
تسنيم الجنان
همسات اسلامية

الاوسمه : تاريخنا / متجدد Adare
عدد المساهمات : 3861
نقاط : 11689
السٌّمعَة : 6
تاريخ التسجيل : 08/08/2010
الموقع : ♥فيني هدوء الكون وفيني جنونه♥

https://hmsat-islam.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخنا / متجدد Empty رد: تاريخنا / متجدد

مُساهمة من طرف القعقاع الخميس 8 سبتمبر - 0:55

تسنيم الجنان كتب:
تاريخنا / متجدد Fr7-9d631e1e42


تاريخنا / متجدد 796bloemenmandje1

القعقاع
شخصية مميـزة
شخصية مميـزة

الاوسمه : تاريخنا / متجدد 1102280606334a47a070
عدد المساهمات : 991
نقاط : 6114
السٌّمعَة : 7
تاريخ التسجيل : 31/03/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخنا / متجدد Empty رد: تاريخنا / متجدد

مُساهمة من طرف هدوء الابتسامة الجمعة 9 سبتمبر - 18:07

جزاكم الله خيرا

والدنا الفاضل

على المعلومات القيمة

هدوء الابتسامة
شخصية مميـزة
شخصية مميـزة

عدد المساهمات : 324
نقاط : 5269
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 13/04/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تاريخنا / متجدد Empty رد: تاريخنا / متجدد

مُساهمة من طرف شجون الايمان الجمعة 9 سبتمبر - 21:44

تاريخنا / متجدد 107049.imgcache

شجون الايمان
شخصية مميـزة
شخصية مميـزة

عدد المساهمات : 358
نقاط : 5336
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 25/02/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى