نبضُهم.. لنا حياة!



سحر المصري


قلت: "هناك أُناس.. لو أمضينا ما تبقى من عمرنا نُثنى على الله جل وعلا ونشكره على أن رزقنا إياهم فى حياتنا.. نبقى مقصِّرين!"..
فتتالت الردود.. البعض يهنئونى إذ تزيّنت حياتى بأشخاص كهؤلاء.. والبعض يتساءل: هل لمثلهم فعلياً وجود؟!
نعم.. هم هنا.. يضعون بصمَتَهُم فى القلب قبل الصحائف.. وهم كُثُر بفضل الله جل وعلا.. لستُ أصوغ مشاعرى حروفاً وأنسجها حنيناً لأوهام أعيش.. وإنما لواقعٍ حبانى ربى جل وعلا به معهم.. فحمداً إلهى وشكرا !
كم يُحرقنى أن أجِدَ بعضاً ممّن يتنفس.. متألّماً لحِرمانِه من لَمَساتِ الصدقِ والاهتمام فى حياته.. فاقداً لقلبٍ حى يُطرّزُ أيامَهُ بالحب.. يعطى دون حدود.. من نَفسه ووقته وماله.. بكرمٍ وَجُود.. لا يبخل ولا يَمُنّ.. وإنما يساند ويحِنّ.. ويهَبُك الحياة بعد أن نفخ الله جل وعلا فيك الروح.. فالحياةُ تُعاشُ بِنَبضِهِم.. لا بأيامٍ تُحتَسبُ دون أُنسٍ أو نَفَس!

لا أستطيع التخيّل أن هذه المساحةَ عند البعضِ لا يَشغَلُها أحد..

أمٌّ.. أو أختٌ.. أو أخٌ.. أو زوجٌ.. أو ابنةٌ.. أو أحدٌ من الأقارب أو المحارم أو الجيران.. أو من تربِطُنا بهم أسمى رابطةٍ قدسيّة عَشِقتُ الإسلامَ أكثرَ حين عِشتُه فى ظلالِها!.. الأخوّةَ فى الله جل فى علاه أعنى..
قلتُ لها: "سبحان من ألَّف بين القلوبِ على غير أرحامٍ بينها".. فتنشّقَت نَفَساً للأخوّة عظيماً مباركا.. وقالت: "ألم أقل لكِ إننى سأتعلّم منكِ الكثير؟".. هى هذه المشاعر التى نسكِبُها فى قلوبِ أخواتنا فى الله جل وعلا من بداية تعارفنا وحتى تتمكّن العلاقةُ فى حياتنا.. فتتربعَ هؤلاء الأخوات فى ركنٍ ركين من القلب لا عِوَج فيه ولا حسد!
سألتُ حبيبةً قريبةَ الدعاء.. وهذا ديدنى كلما رأيت من أحببت فيه جل وعلا.. ليقينى أن دعاءَ الأخ لأخيه فى ظهر الغيب لا يُرَدّ كما أخبرنا الحبيب عليه الصلاة والسلام! فكان ردّها ماءً بارداً سلسبيلا.. "أدعو لك فى كل وتر ولا أنساك أبداً.. أدعو لك من يوم أن تعرّفت عليك.. يوم مناقشة كتاب "لا تكن شبحاً".. هل تذكرين؟ دخلتِ يومها قلبى.. ومن يدخل هذا القلب لا يخرج منه أبداً.. بل يتَّسع مكانه ويتجذّر مع الأيام.. أحبّكِ فى الله!"
وتطّلعُ على أُخرى تقول: "كيف أعرف إن كنتُ مميّزةً عندكِ والكل عندكِ (حبيبة)؟!".. فقلتُ: "اطمئنى.. فالحبيبات فى الله جل وعلا على مراتب.. وأنتِ من الدرجة الأولى!".. يا الله ما أروعها من مشاعر قد لا أكون قابلتُ صاحبتها على الأرض.. أو ربما رأيتها مراتٍ قلائل.. إلا أن حلقات الوصل بها استحكمت.. فقد جمعنا الله جل وعلا فى مواطن يحبها.. فإن أردت أن ترقى بعلاقاتك.. وتبتغى الصدق والتقدير والحب الخالص.. فلا أقل من أن تفتش عن كل ذلك فى علاقات تصوغها مع الذين لا يرجون الحياة الدنيا ولا يتطلّعون إلا إلى منابر من نور ولا يرضون بما هو دونها! واحرص على أن تجتمع مع إخوان لك فى عملٍ دعوى لتكتسب هذه المعانى وتعيشها حقاً وصدقا.. وبشكلٍ أخص: اعمل لفلسطين والقدس لترى أثر بركة قضيتنا الأولى على نفسك وقلبك وإخوانك!
ولفتنى رد أحدهم حين قرأ عبارتى "نبضهم لنا حياة" إذ يقول: "أتعنين قادتنا وشهداءنا؟!" وكيف لا يكون نبض القادة والشهداء والعلماء المخلصين لنا حياة.. فهم من ضحَّوا وتجرّدوا وتربَّوا فى مدرسة العبادة والجهاد.. فخطّوا حكايات تُتلى على مذابح الطاعة الخالِصة لله جل فى علاه..
تعوّدتُ.. حين تخنقنى الخطوب أن ألتجئ إلى قلب صادق صدوق.. أبث له همّى.. وأعلم أنه سيتلقف كلامى ويغرسه فى عمق القلب.. ليُنبِت نُصحاً وحُباً.. حتى وإن كان يُخجِل..! أشعر حينها أننى ألقيتُ بعضاً مما استوطن كاهلى من حِملٍ ثقيل.. لأعود إلى مقارعة الحياة ومعى من الزاد كفايتى.. نصحٌ.. وحبٌ.. ودعاء..!
وبعد كل هذا.. كيف لا نعيش بنبضهم؟! فنبضهم لنا حياة.. دماؤهم تسرى فى عروقنا.. وأرواحهم جنّة لنا.. وبسمتهم لنا.. أمل!..

ولِمن فَقَد الأنيس والصديق.. انظُر حولك.. فهو هناك ينتظر.. ثم بادِر.. واقترِب! لا تسوِّف.. فالعمر يمضى ولم يعد فيه متّسع.. ولا تفوِّت لحظة من الزمن القادِم دون أن تذوق لذة الحب.. فى الله.. جل وعلا..

راق لى