تقبيل الخبز (صوره وحكمه)
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
تقبيل الخبز (صوره وحكمه)
تقبيل الخبز ( صوره وحكمه )
*(( مقدمة ))*
شكر نعمة الطعام احترامها
جاءت الشريعة المطهرة باحترام النعم، وشكر المنن، وتقدير الخير الذي يسخره سبحانه وتعالى للناس.
والطعام من أعظم نعم الله تعالى على الإنسان، جعل فيه حياته وقوته، كما جعل فيه لذته، ولذلك أمر بالحمد بعد تناوله، والشكر على إحسانه به.
يقول الله عز وجليَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) البقرة/172
وقال سبحانهفَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) النحل/114
وقال سبحانهلِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ) يس/35
ولا شك أن من شكر نعمة الطعام احترامها وعدم إلقائها، ورفعها عن مواضع الإهانة والقذارة، وحفظها عن ما يفسدها.
يقول المناوي في "فيض القدير" (1/191) :
" حسن الجوار لنعم الله من تعظيمها، وتعظيمها من شكرها، والرمي بها من الاستخفاف بها، وذلك من الكفران، والكَفور ممقوت مسلوب، ولهذا قالوا: الشكر قيد للنعمة الموجودة، وصيد للنعمة المفقودة. وقالوا: كفران النعم بوار، فاستدع شاردها بالشكر، واستدم هاربها بكرم الجوار.
فارتباط النعم بشكرها، وزوالها في كفرها، فمن عظَّمَها فقد شكرها، ومن استخف بها فقد حقرها وعرضها للزوال، ولهذا قالوا: لا زوال للنعمة إذا شكرت، ولا بقاء لها إذا كفرت.
قال ابن الحاج: كان العارف المرجاني إذا جاءه القمح لم يترك أحدا من فقراء الزاوية ذلك اليوم يعمل عملا حتى يلتقطوا جميع ما سقط من الحب على الباب أو بالطريق.
قال: فينبغي للإنسان إذا وجد خبزا أو غيره مما له حرمة، مما يؤكل، أن يرفعه من موضع المهنة إلى محل طاهر يصونه فيه، لكن لا يُقَبِّلُهُ ولا يرفعه فوق رأسه كما تفعله العامة؛ فإنه بدعة.
قال: وهذا الباب مجرَّب، فمن عظَّم الله بتعظيم نعمه لطف به وأكرمه، وإن وقع بالناس شدة جعل له فرجا ومخرجا " انتهى.
وقد جاءت النصوص تأمر برفع الطعام الساقط على الأرض:
فعَنْ جَابِرٍ بن عبد الله رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(إِنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُ أَحَدَكُمْ عِنْدَ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ شَأْنِهِ، حَتَّى يَحْضُرَهُ عِنْدَ طَعَامِهِ، فَإِذَا سَقَطَتْ مِنْ أَحَدِكُمْ اللُّقْمَةُ فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى، ثُمَّ ليَأْكُلْهَا وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ، فَإِذَا فَرَغَ فَلْيَلْعَقْ أَصَابِعَهُ؛ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي فِي أَيِّ طَعَامِهِ تَكُونُ الْبَرَكَةُ) رواه مسلم (2033)
وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَكَلَ طَعَامًا لَعِقَ أَصَابِعَهُ الثَّلَاثَ، قَالَ وَقَالَ: إِذَا سَقَطَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيُمِطْ عَنْهَا الْأَذَى وَلْيَأْكُلْهَا وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَسْلُتَ الْقَصْعَةَ، قَالَ: فَإِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ فِي أَيِّ طَعَامِكُمْ الْبَرَكَةُ) رواه مسلم (2034)
يقول النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (13/206) :
" معناه والله أعلم: أن الطعام الذى يحضره الإنسان فيه بركة، ولا يُدرى أن تلك البركة فيما أكله، أو فيما بقي على أصابعه، أو في ما بقي في أسفل القصعة، أو فى اللقمة الساقطة، فينبغي أن يحافظ على هذا كله لتحصل البركة، وأصل البركة الزيادة وثبوت الخير والإمتاع به، والمراد هنا والله أعلم: ما يحصل به التغذية، وتسلم عاقبته من أذى، ويُقَوِّي على طاعة الله تعالى وغير ذلك " انتهى.
وقد نص الفقهاء في كتبهم على هذا الأدب العظيم، حتى قال ابن حزم في "المحلى" (6/117) بوجوبه، وانظر: المبسوط (30/268) ، حاشية تحفة المحتاج (7/438) ، الإنصاف (8/327) ، الموسوعة الفقهية (6/121) .
كما ذكروا لهذا الأدب حكما عديدة، وفوائد كثيرة، منها:
1- امتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم وسنته.
2- التواضع وعدم التكبر.
3- احترام نعم الله تعالى وتعظيمها وشكرها وعدم الاستخفاف بها.
4- تحصيل البركة التي قد تكون في اللقمة الساقطة.
5- حرمان الشيطان من ذلك الطعام، حتى قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (13/204) :" فان وقعت على موضع نجس فلا بد من غسلها إن أمكن، فإن تعذر أطعمها حيوانا ولايتركها للشيطان " انتهى.
6- الاقتصاد وعدم الإسراف.
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله "شرح رياض الصالحين" (1/459) :" من آداب الأكل أن الإنسان إذا سقطت لقمة على الأرض فإنه لا يدعها؛ لن الشيطان يحضر الإنسان في جميع شئونه ...والإنسان إذا فعل هذا امتثالا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وتواضعا لله عز وجل، وحرمانا للشيطان من أكلها، حصل على هذه الفوائد الثلاثة: الامتثال لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، والتواضع، وحرمان الشيطان من أكلها " انتهى.
ويغفل كثير من الناس عن هذا الأدب أثناء تناول الطعام على السفر، فيظنون أنه أدب خاص بما إذا سقط الطعام على الأرض، ولكنه أدب ينبغي الامتثال به حتى على السفر، فإذا سقطت اللقمة من الصحن على السفرة فعليه أن يرفعها.
سئل الشيخ ابن عثيمين في "لقاءات الباب المفتوح" (31/سؤال رقم 25) :
" الطعام الذي يسقط على السفرة هل يدخل في حديث إماطة الأذى؟
فأجاب:نعم. الطعام الذي يسقط على السفرة داخل في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا سقطت لقمة أحدكم، فليأخذها وليمط ما بها من أذى، ولا يدعها للشيطان) " انتهى.
كرامة الخبز
لا شك أن الخبز نعمة من نعم الله سبحانه وتعالى ونعم الله ينبغي أن تصان عن الامتهان والاحتقار ودوس الخبز بالقدم عمداً يدخل في كفران نعمة الله جل جلاله . وليس صحيحاً أنه لا كرامة للخبز بل له كرامة فقد ورد في الحديث عن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال أكرموا الخبز ) رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي ورواه البيهقي في شعب الإيمان وصححه السيوطي في الجامع الصغير وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير 1/265 .
وقد اعتبر العلماء أن من آداب الطعام إكرام الخبز ، قال العلامة المناوي :[ ( أكرموا الخبز ) سائر أنواعه لأن في إكرامه الرضى بالموجود من الرزق وعدم الاجتهاد في التنعم وطلب الزيادة . ومن كلام الحكماء :[ الخبز يُباس ولا يُداس ] فيض القدير 2/116.
وقال العلامة المناوي أيضاً :[ وإكرامه - الخبز - أن لا يوطأ ولا يمتهن كأن يستنجى به أو يوضع في القاذورة والمزابل أو ينظر إليه بعين الاحتقار ]
وخلاصة الأمر أنه لا يجوز دوس الخبز بالقدم وأن ذلك من كفر نعمة الله .
صور تقبيل الخبز :
1- أن يقبل الخبز تعبداً لله ورجاء الأجر منه .
2- أن يجده الإنسان ملقى على الأرض بين الأرجل فيأخذه ويقبله إكراماً لهذه النعمة .
3- أن يجده على مائدته فيقبله قبل الأكل على سبيل شُكر نعم الله وخوفاً من زوالها .
حكم تقبيل الخبز :
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين مشهورين :
القول الأول :إباحة تقبيل الخبز ،وهو قول الحنفية والشافعية.
فقد صرح الشافعية بجواز تقبيل الخبز، وقالوا: إنه بدعة مباحة أو حسنة، ودوسه مكروه كراهة شديدة، بل مجرد إلقائه في الأرض من غير دوس مكروه ،وقال صاحب الدر من الحنفية مؤيدا قول الشافعية في جواز تقبيل الخبز: (وقواعدنا لا تأباه) .
المذهب الحنفي :
جاء في الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) - (6 / 384)
وأما تقبيل الخبز فحرر الشافعية أنه بدعة مباحة وقيل حسنة وقالوا يكره دوسه لا بوسه ذكره ابن قاسم في حاشيته على شرح المنهاج لابن حجر في بحث الوليمة وقواعدنا لا تأباه وجاء «لا تقطعوا الخبز بالسكين وأكرموه فإن الله أكرمه» .
(قوله وجاء إلخ) قال شيخ مشايخنا الشيخ إسماعيل الجراحي في الأحاديث المشتهرة " «لا تقطعوا الخبز واللحم بالسكين كما تقطع الأعاجم ولكن انهشوه نهشا» قال الصغاني موضوع اهـ وفي المجتبى لا يكره قطع الخبز واللحم بالسكين اهـ والله تعالى أعلم.
وفي [حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ص: 216]
وتقبيل الخبز قال أصحاب الشافعي رضي الله تعالى عنه انه بدعة مباحة وقالوا يكره دوسه لا بوسه وقواعدنا لا تأباه
المذهب الشافعي
جاء في تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي - (7 / 434)
أما كون تقبيل الخبز بدعة فصحيح ولكن البدعة لا تنحصر في الحرام بل تنقسم إلى الأحكام الخمسة ولا شك أنه لا يمكن الحكم على هذا بالتحريم؛ لأنه لا دليل على تحريمه ولا بالكراهة؛ لأن المكروه ما ورد عنه نهي خاص أي أو كان فيه خلاف قوي كما صرحوا به ولم يرد في ذلك نهي والذي يظهر أن هذا من البدع المباحة فإن قصد بذلك إكرامه لأجل الأحاديث الواردة في إكرامه فحسن ودوسه مكروه كراهة شديدة بل مجرد إلقائه في الأرض من غير دوس مكروه لحديث ورد في ذلك انتهى اهـ.
وفي الحاوي للفتاوي -للسيوطي (1 / 221)
مسألة: تقبيل الخبز هل هو بدعة أم لا؟ وإذا كان بدعة هل يكون حراما أم لا؟ وقد قال ابن النحاس في تنبيه الغافلين: ومنها - أي من البدع - تقبيل الخبز وهو بدعة لا تجوز، وقد أفتى جماعة أنه يجوز دوسه ولا يجوز بوسه، لكن دوسه خلاف الأولى، وربما كرهه بعضهم، وأما بوسه فهو بدعة وارتكاب البدع لا يجوز، وانظر إلى قول عمر رضي الله عنه في الحجر الأسود: إني لأعلم أنك لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك، هذا وهو الحجر الأسود الذي هو من ياقوت الجنة وهو يمين الله في الأرض يصافح بها خلقه، كما ورد في الحديث، فكيف يجوز تقبيل الخبز؟
لكن يستحب إكرامه ورفعه من تحت الأقدام من غير تقبيل، وقد ورد في إكرام الخبز أحاديث لا أعلم فيها شيئا صحيحا ولا حسنا. هذا نصه بحروفه، فهل ما قاله هو الصحيح المعتمد أم لا؟
الجواب: أما كون تقبيل الخبز بدعة فصحيح، ولكن البدعة لا تنحصر في الحرام بل تنقسم إلى الأحكام الخمسة، ولا شك أنه لا يمكن الحكم على هذا بالتحريم؛ لأنه لا دليل على تحريمه ولا بالكراهة؛ لأن المكروه ما ورد فيه نهي خاص، ولم يرد في ذلك نهي، والذي يظهر أن هذا من البدع المباحة، فإن قصد بذلك إكرامه لأجل الأحاديث الواردة في إكرامه فحسن، ودوسه مكروه كراهة شديدة، بل مجرد إلقائه في الأرض من غير دوس مكروه؛ لحديث ورد في ذلك.
أدلة القول الأول :
لأنه لا دليل على التحريم ولا الكراهة، لأن المكروه ما ورد عنه نهي، أو كان فيه خلاف قوي، ولم يرد في ذلك نهي ،
ولأجل الأحاديث الواردة في إكرامه فحسن،
كحديث عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال أكرموا الخبز ) رواه الحاكم في [المستدرك على الصحيحين7145 4/ 136] وصححه ووافقه الذهبي ،ورواه البيهقي في شعب الإيمان [5869 - 5/ 84]، وصححه السيوطي في الجامع الصغير وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير 1/265 .
وحديث : لا تقطعوا الخبز بالسكين كما تقطعه الأعاجم وإذا أراد أحدكم أن يأكل اللحم فلا يقطعه بالسكين ولكن ليأخذه بيده فلينهشه بفيه فإنه أهنأ وأمرأ .
( ضعيف ) أخرجه الطبرانى (23/285 ، رقم 624) ، قال الهيثمى (5/37) : فيه عباد بن كثير الثقفى وهو ضعيف . والبيهقى فى شعب الإيمان (5/114 ، رقم 6007) ،وراجع [مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 5/ 50].
مناقشة أدلة القول الأول :
من المؤكد أن لم يرد نهي خاص عن تقبيل الخبز حتى يدل على الكراهة أو التحريم ،ولكن أدلة النهي عن الإبتداع في الدين ظاهرة جلية ،ومستفيضة ،وبهذا تمسك أصحاب القول الثاني .
وبالنسبة للأحاديث التي أستدل بها أصحاب القول الأول فأكثرها ضعيف لا تقوم به الحجة ،باستثناء حديث أكرموا الخبز ،فإن شراح الحديث وأهمهم المناوي قال :أن إكرم الخبز عام بسائر أنواعه ومثلوا لذلك بأن لا يوضع عليه ما يلوثه ويقذره أو يغير رائحته ، أن لا يوطأ ولا يمتهن كأن يستنجى به أو يوضع في القاذورة والمزابل أو ينظر إليه بعين الاحتقار .[فيض القدير 2/ 91 و 92]
فأنت ترى أنه جعل مفهوم الإكرام عاماً في دفع الأذى والإهانة عن الخبز،وأما التقبيل فقدر زائد على ذلك ،مع أننا لا نختلف بأن التقبيل وجه من وجوه الإكرام للمقبل .وسيأتي مزيد الكلام على هذا في الترجيح .
القول الثاني :كراهة تقبيل الخبز وعدم مشروعيته،وهو قول المالكية والحنابلة،وبعض الشافعية.
نص المالكية على كراهة تقبيل الخبز ،وكراهة امتهان الخبز أيضاً بوضع الرجل عليه أو وضعه عليها ،أو مسح يديه به ووضعه تحت القصعة
وأما الحنابلة وبعض الشافعية فقالوا: لا يشرع تقبيل الخبز ولا الجمادات إلا ما استثناه الشرع .
المذهب المالكي :
جاء في [الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني 1/ 356]
ونصوا هنا على كراهة تقبيل المصحف والخبز كما يكره امتهانه أي الخبز على المعتمد والدليل على طلب تقبيل الحجر ما في الصحيحين ان عمر رضي ( ( ( رحمه ) ) ) الله تعالى عنه جاء الى الحجر الاسود فقبله وقال إني اعلم انك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا اني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك ...
وفي [منح الجليل شرح على مختصر سيد خليل. 2/ 267]،و[الخرشي على مختصر سيدي خليل 2/ 326]
ويكره تقبيل المصحف والخبز والمعتمد أن امتهان الخبز مكروه ولو بوضع الرجل عليه أو وضعه عليها ا ه عب
المذهب الحنبلي :
جاء في كشاف القناع عن متن الإقناع - (5 / 181)
(ولا يشرع تقبيل الخبز ولا الجمادات إلا ما استثناه الشرع) كتقبيل الحجر الأسود
وفي منار السبيل في شرح الدليل - (2 / 207 و 208)
"ولا يشرع تقبيل الخبز" لحديث عائشة: دخل علي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فرأى كسرة ملقاة، فأخذها فمسحها ثم أكلها، وقال: "يا عائشة، أكرمي كريمك، فإنها ما نفرت عن قوم، فعادت إليهم".
رواه ابن ماجه. ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب الشكر له بنحوه، ولفظه: "أحسني جوار نعم الله عليك". قال في الآداب: فهذا الخبر يدل على عدم التقبيل، لأن هذا محله كما يفعل في هذا الزمان.
"وتكره إهانته، ومسح يديه به، ووضعه تحت القصعة" نص عليه، لما تقدم، وكره أحمد الخبز الكبار، وقال: ليس فيه بركة. ويجوز قطع اللحم بالسكين، لما روى البخاري: أنه صلى الله عليه وسلم كان يحتز من كتف شاة ... الحديث. احتج به أحمد. وسئل عن حديث النهي عنه، فقال: ليس بصحيح.
وفي الآداب الشرعية والمنح المرعية - (3 / 231)
[فصل في استحباب إكرام الخبز دون تقبيله وشكر النعم]
هل يستحب تقبيل الخبز كما يفعله بعض الناس ؟
كلام الإمام أحمد - رحمه الله - في مسألة تقبيل المصحف يدل على عدم التقبيل وهو ظاهر كلام الشيخ تقي الدين فإنه ذكر أنه لا يشرع تقبيل الجمادات، إلا ما استثناه الشرع، ... لأن ما طريقه القربة يقف على التوقيف بدليل قول عمر في الحجر الأسود «لولا أني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبلك ما قبلتك» ، وليس في هذا توقيف؟ فيه عن أحمد روايتان.
وقد تقدم كلام والده في تقبيل المصحف بهذا المعنى وروى ابن أبي الدنيا في كتاب الشكر له عن عائشة - رضي الله عنها - قالت دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرأى كسرة ملقاة فقال «يا عائشة أحسني جوار نعم الله عليك فإنها قل إن نفرت عن قوم فكادت ترجع إليهم» ورواه ابن ماجه ولفظه فدخل علي، فرأى كسرة ملقاة فأخذها فمسحها ثم أكلها وقال «يا عائشة أكرمي كريمك فإنها ما نفرت عن قوم فعادت إليهم» فهذا الخبر يدل على عدم التقبيل؛ لأن هذا محله كما يفعل في هذا الزمان.
راجع أيضاً :
الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل - (3 / 236)،دليل الطالب لنيل المطالب - (1 / 251)،مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى - (5 / 247)،غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب - (2 / 153)، [المستدرك على فتاوى ابن تيمية 4/ 170]
فائدة :والمنع منه قول بعض الشافعية
قال الحافظ : قال شيخنا – يعني زين الدين العراقي - في شرح الترمذي فيه كراهة تقبيل ما لم يرد الشرع بتقبيله .[فتح الباري 3/ 463]
و قال ابن النحاس في تنبيه الغافلين ومنها أي من البدع تقبيل الخبز وهو بدعة لا يجوز .[تحفة المحتاج في شرح المنهاج 31/ 428]
أدلة القول الثاني :
حديث عمر رضي الله عنه أنه جاء إلى الحجر الأسود فقبله فقال إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك .
أخرجه البخارى (2/ 149، رقم1597) ، ومسلم (2/925 ، رقم 1270) ، وأحمد (1/16 ، رقم 99) وأبو داود (2/175 ، رقم 1873) ، والترمذى (3/214 ، رقم 860) وقال : حسن صحيح . والنسائى (5/227 ، رقم 2937) ، وابن حبان (9/131 ، رقم 3822) .
قال ابن بطال : أراد عمر أن يعلم أن استلامه لا يقصد به إلا تعظيم الله تعالى والوقوف عند أمر نبيه عليه السلام إذ ذلك من شعائر الحج التى أمر الله بتعظيمها ، وأن استلامه مخالف لفعل أهل الجاهلية فى عبادتهم الأصنام ؛ لأنهم كانوا يعتقدون أنها تقربهم إلى الله زلفى ، فنبه عمر على مجانبة هذا الإعتقاد ، وأنه لا ينبغى أن يعبد إلا من يملك الضر والنفع ، وهو الله تعالى .[شرح صحيح البخارى ـ 4/ 278]
وقال القاضي عياض : وأن تقبيله الحجر ليس عبادة له بل لله تعالى ؛ بامتثال أمره فيه ، كأمره بسجود الملائكة لآدم ، وشُرع مع ذلك التكبير للناس إظهاراًاْن ذلك الفعل تذللأ له لا لغيره ، أن التحسين والتقبيح إنما هو من قبل الشرع لا من قبل العقل ، واْن كل ما جاء به الشرع فهو الحسن المحمود ، وسر ذلك محض العبودية ، وأن العبادات على ضربن : منها ما فُهم معناه وعلتها ومصلحتها ، ومنها ما وضع لمجرد التعبد وامتثال الأمر وإطراح استعمال العقل .[إكمال المعلم شرح صحيح مسلم - 4/ 180]
وقال الخطابي : قلت فيه من العلم أن متابعة السنن واجبة وإن لم يوقف لها على علل معلومة وأسباب معقولة وأن أعيانها حجة على من بلغته وإن لم يفقه معانيها إلاّ أن معلوماً في الجملة أن تقبيله الحجر إنما هو إكرام له واعظام لحقه وتبرك به وقد فضل الله بعض الأحجار على بعض كما فضل بعض البقاع والبلدان وكما فضل بعض الليالي والأيام والشهور وباب هذا كله التسليم وهو أمرسائغ في العقول جائز فيها غير ممتنع ولا مستنكر .
[معالم السنن 288 2/ 191]
وقال شيخ الإسلام :ولهذا قال الفقهاء العبادات مبناها على التوقيف كما فى الصحيحين عن عمر بن الخطاب أنه قبل الحجر الاسود.
[مجموع الفتاوى 1/ 334]
وقال أيضاً : واتفق العلماء على أن من زار قبر النبى صلى الله عليه وآله وسلم أو قبر غيره من الأنبياء والصالحين الصحابة وأهل البيت وغيرهم أنه لا يتمسح به ولا يقبله بل ليس فى الدنيا من الجمادات ما يشرع تقبيلها إلا الحجر الأسود وقد ثبت فى الصحيحين أن عمر رضى الله عنه قال والله أنى لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا إنى رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقبلك ما قبلتك .
[مجموع الفتاوى 27/ 79]
وقال أيضاً :صح عن عمر رضي الله عنه أنه قال حين أراد تقبيل الحجر الأسود إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أن رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك لما قبلتك وزاد بعضهم أن أبا بكر رضي الله عنه قال بل ينفع ويشفع وهذا كذب واضح ... وروى الأزرقي عن علي رضي الله عنه في ذلك أثرا لكن إسناده ضعيف واه .
[مختصر الفتاوى المصرية لابن تيمية ص: 301]
وحديث عائشة: " دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى كسرة ملقاة فأخذها فمسحها ثم أكلها , وقال: يا عائشة أكرمى كريمك فإنها ما نفرت عن قوم فعادت إليهم "
( ضعيف ) رواه ابن ماجه (3353)،ورواه ابن أبى الدنيا فى كتاب الشكر له (1/1/2)بنحوه ولفظه: " أحسنى جوار نعم الله عليك ".راجع [إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل(1961) 7/ 20]
فهذا الخبر يدل على عدم التقبيل؛ لأن هذا محله كما يفعل في هذا الزمان.
مناقشة أدلة القول الثاني :
في الحقيقة أدلة القول الثاني فيها الصحيح كأثر عمر ،والضعيف كحديث عائشة ،ولو صح حديثها لكان فصلاً في الخلاف ،وأما أثر عمر بن الخطاب فهو دليل قوي على ذهبوا إليه ولكنه لا يشمل كل صور التقبيل التي ذكرناها في أول البحث ،بل هو محصر بالنوع الأول فقط .
الترجيح
فلقد علمت قبل أن لتقبيل الخبز ثلاث صور لا رابع لها :
فأما الأول أن يقبّله تعبداً لله .
وأما الثاني أن يقبّله إكراماً لهذه النعمة .
وأما الأخير أن يقبّله على سبيل شُكر نعم الله وخوفاً من زوالها .
وبناءً على هذا التقسيم فإن حكم تقبيل الخبز يختلف باختلاف الصورة التي قبل لها ،فإذا قبّله تعبداً فهذه بدعة ممنوعة شرعاً ،وغير مشروعة ،وهذا يوافق القول الثاني ،وأما إذا قبّل الخبز إكراماً له فهذا جائز وليس فيه بأس ،لأن باب الإكرام واسع وقد ورد في الشرع ما يؤكد إكرام الخبز ،وأما إذا قبّل الخبز شكراً لله على النعمة وخوفاً من زوالها ،فهذا مما به بأس عندي ويدخل في الصورة الأولى ،لأن شكر النعم عبادة تكون بالإقرار بالنعمة والمعرفة بقدر الحاجة إليها (وهذا هو الجانب الإعتقادي )،ثم استعمال النعمة في طاعة الله ،وكذا التحدث بها وإظهارها( وهذا هو الجانب العملي ).
وأما قول البعض بكراهة تقبيل ما لم يرد الشرع بتقبيله،فنقول :نعم إذا كان التقبيل على وجه التعبد فهو محرم وليس مكروهًا فحسب ،وأما إذا لم ليكن لذلك فلا كراهة في فعل المباحات .
قال الشاطبي : وإن العاديات من حيث هي عادية لا بدعة فيها ومن حيث يتعبد بها أو توضع وضع التعبد تدخلها البدعة . الاعتصام للشاطبي (2/ 594)
فإن قال قائل : قد كان الخبز موجودًا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، كما كانت الدواعي لإكرامه متوفرة؛ ولم يُنْقل مثل هذا عن سلفٍ من الصحابة الكرام، أو لم يشتهر بينهم على الأقل، ولم يأْتِ بذلك نصٌّ مبيحٌ.
فأما النص فقد جاءنا نص عام بتكريم الخبز ،وأما عدم نقله عن الصحابة فلا يدل على المنع دائماً ،كما أن عدم النقل لا يدل على عدم الفعل سيما إذا كان الفعل من المباحات فكم من المباحات فعلها السلف وليس عندنا فيها نقل ،وأما مسألة عدم الفعل مع توفر الدواعي لذلك الفعل ،أقول : نعم أتفق مع هذا القول ،ولذلك قلت أن التقبيل إذا كان على وجه التعبد والشكر فهو بدعة لتوفر الدواعي لذلك ،ومع ذلك ترك التقبيل على هذا النحو ،وأما إذا كان على وجه الإكرام المجرد فمباح .
ومن المهم معرفة أن التقبيل أنواع فمنه ما قصد به التعبد ،ومنه ما قصد به الإكرام والإجلال ،ومنه ما قصد به التعبير عن العاطفة،وأما جنس المقبّل فقد يكون جماداً ،أو حياً .
فلا يخلط المرء بين هذه الأنواع ،حتى يسلم من الخلط في الحكم ،وينبه هنا أنه إذا علم المفتي من حال المستفتي بأنه يقبل الخبز اعتقادا من أنه عبادة ،فلا يتردد في الحكم بالبدعية ،ودون ذكر التفصيل الذي مرّ سابقاً ،حتى لا يتحايل عليه .
الخلاصة أن من قبّل الخبز تعبداً وشكراً لله فهذا من البدع المحدثة ،وأما إن قصد بذلك الإكرام المجرد فهذا لا بأس به إن شاء الله تعالى .
الحمد لله رب العالمين
منقول
*(( مقدمة ))*
شكر نعمة الطعام احترامها
جاءت الشريعة المطهرة باحترام النعم، وشكر المنن، وتقدير الخير الذي يسخره سبحانه وتعالى للناس.
والطعام من أعظم نعم الله تعالى على الإنسان، جعل فيه حياته وقوته، كما جعل فيه لذته، ولذلك أمر بالحمد بعد تناوله، والشكر على إحسانه به.
يقول الله عز وجليَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) البقرة/172
وقال سبحانهفَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) النحل/114
وقال سبحانهلِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ) يس/35
ولا شك أن من شكر نعمة الطعام احترامها وعدم إلقائها، ورفعها عن مواضع الإهانة والقذارة، وحفظها عن ما يفسدها.
يقول المناوي في "فيض القدير" (1/191) :
" حسن الجوار لنعم الله من تعظيمها، وتعظيمها من شكرها، والرمي بها من الاستخفاف بها، وذلك من الكفران، والكَفور ممقوت مسلوب، ولهذا قالوا: الشكر قيد للنعمة الموجودة، وصيد للنعمة المفقودة. وقالوا: كفران النعم بوار، فاستدع شاردها بالشكر، واستدم هاربها بكرم الجوار.
فارتباط النعم بشكرها، وزوالها في كفرها، فمن عظَّمَها فقد شكرها، ومن استخف بها فقد حقرها وعرضها للزوال، ولهذا قالوا: لا زوال للنعمة إذا شكرت، ولا بقاء لها إذا كفرت.
قال ابن الحاج: كان العارف المرجاني إذا جاءه القمح لم يترك أحدا من فقراء الزاوية ذلك اليوم يعمل عملا حتى يلتقطوا جميع ما سقط من الحب على الباب أو بالطريق.
قال: فينبغي للإنسان إذا وجد خبزا أو غيره مما له حرمة، مما يؤكل، أن يرفعه من موضع المهنة إلى محل طاهر يصونه فيه، لكن لا يُقَبِّلُهُ ولا يرفعه فوق رأسه كما تفعله العامة؛ فإنه بدعة.
قال: وهذا الباب مجرَّب، فمن عظَّم الله بتعظيم نعمه لطف به وأكرمه، وإن وقع بالناس شدة جعل له فرجا ومخرجا " انتهى.
وقد جاءت النصوص تأمر برفع الطعام الساقط على الأرض:
فعَنْ جَابِرٍ بن عبد الله رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(إِنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُ أَحَدَكُمْ عِنْدَ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ شَأْنِهِ، حَتَّى يَحْضُرَهُ عِنْدَ طَعَامِهِ، فَإِذَا سَقَطَتْ مِنْ أَحَدِكُمْ اللُّقْمَةُ فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى، ثُمَّ ليَأْكُلْهَا وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ، فَإِذَا فَرَغَ فَلْيَلْعَقْ أَصَابِعَهُ؛ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي فِي أَيِّ طَعَامِهِ تَكُونُ الْبَرَكَةُ) رواه مسلم (2033)
وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَكَلَ طَعَامًا لَعِقَ أَصَابِعَهُ الثَّلَاثَ، قَالَ وَقَالَ: إِذَا سَقَطَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيُمِطْ عَنْهَا الْأَذَى وَلْيَأْكُلْهَا وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَسْلُتَ الْقَصْعَةَ، قَالَ: فَإِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ فِي أَيِّ طَعَامِكُمْ الْبَرَكَةُ) رواه مسلم (2034)
يقول النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (13/206) :
" معناه والله أعلم: أن الطعام الذى يحضره الإنسان فيه بركة، ولا يُدرى أن تلك البركة فيما أكله، أو فيما بقي على أصابعه، أو في ما بقي في أسفل القصعة، أو فى اللقمة الساقطة، فينبغي أن يحافظ على هذا كله لتحصل البركة، وأصل البركة الزيادة وثبوت الخير والإمتاع به، والمراد هنا والله أعلم: ما يحصل به التغذية، وتسلم عاقبته من أذى، ويُقَوِّي على طاعة الله تعالى وغير ذلك " انتهى.
وقد نص الفقهاء في كتبهم على هذا الأدب العظيم، حتى قال ابن حزم في "المحلى" (6/117) بوجوبه، وانظر: المبسوط (30/268) ، حاشية تحفة المحتاج (7/438) ، الإنصاف (8/327) ، الموسوعة الفقهية (6/121) .
كما ذكروا لهذا الأدب حكما عديدة، وفوائد كثيرة، منها:
1- امتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم وسنته.
2- التواضع وعدم التكبر.
3- احترام نعم الله تعالى وتعظيمها وشكرها وعدم الاستخفاف بها.
4- تحصيل البركة التي قد تكون في اللقمة الساقطة.
5- حرمان الشيطان من ذلك الطعام، حتى قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (13/204) :" فان وقعت على موضع نجس فلا بد من غسلها إن أمكن، فإن تعذر أطعمها حيوانا ولايتركها للشيطان " انتهى.
6- الاقتصاد وعدم الإسراف.
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله "شرح رياض الصالحين" (1/459) :" من آداب الأكل أن الإنسان إذا سقطت لقمة على الأرض فإنه لا يدعها؛ لن الشيطان يحضر الإنسان في جميع شئونه ...والإنسان إذا فعل هذا امتثالا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وتواضعا لله عز وجل، وحرمانا للشيطان من أكلها، حصل على هذه الفوائد الثلاثة: الامتثال لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، والتواضع، وحرمان الشيطان من أكلها " انتهى.
ويغفل كثير من الناس عن هذا الأدب أثناء تناول الطعام على السفر، فيظنون أنه أدب خاص بما إذا سقط الطعام على الأرض، ولكنه أدب ينبغي الامتثال به حتى على السفر، فإذا سقطت اللقمة من الصحن على السفرة فعليه أن يرفعها.
سئل الشيخ ابن عثيمين في "لقاءات الباب المفتوح" (31/سؤال رقم 25) :
" الطعام الذي يسقط على السفرة هل يدخل في حديث إماطة الأذى؟
فأجاب:نعم. الطعام الذي يسقط على السفرة داخل في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا سقطت لقمة أحدكم، فليأخذها وليمط ما بها من أذى، ولا يدعها للشيطان) " انتهى.
كرامة الخبز
لا شك أن الخبز نعمة من نعم الله سبحانه وتعالى ونعم الله ينبغي أن تصان عن الامتهان والاحتقار ودوس الخبز بالقدم عمداً يدخل في كفران نعمة الله جل جلاله . وليس صحيحاً أنه لا كرامة للخبز بل له كرامة فقد ورد في الحديث عن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال أكرموا الخبز ) رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي ورواه البيهقي في شعب الإيمان وصححه السيوطي في الجامع الصغير وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير 1/265 .
وقد اعتبر العلماء أن من آداب الطعام إكرام الخبز ، قال العلامة المناوي :[ ( أكرموا الخبز ) سائر أنواعه لأن في إكرامه الرضى بالموجود من الرزق وعدم الاجتهاد في التنعم وطلب الزيادة . ومن كلام الحكماء :[ الخبز يُباس ولا يُداس ] فيض القدير 2/116.
وقال العلامة المناوي أيضاً :[ وإكرامه - الخبز - أن لا يوطأ ولا يمتهن كأن يستنجى به أو يوضع في القاذورة والمزابل أو ينظر إليه بعين الاحتقار ]
وخلاصة الأمر أنه لا يجوز دوس الخبز بالقدم وأن ذلك من كفر نعمة الله .
صور تقبيل الخبز :
1- أن يقبل الخبز تعبداً لله ورجاء الأجر منه .
2- أن يجده الإنسان ملقى على الأرض بين الأرجل فيأخذه ويقبله إكراماً لهذه النعمة .
3- أن يجده على مائدته فيقبله قبل الأكل على سبيل شُكر نعم الله وخوفاً من زوالها .
حكم تقبيل الخبز :
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين مشهورين :
القول الأول :إباحة تقبيل الخبز ،وهو قول الحنفية والشافعية.
فقد صرح الشافعية بجواز تقبيل الخبز، وقالوا: إنه بدعة مباحة أو حسنة، ودوسه مكروه كراهة شديدة، بل مجرد إلقائه في الأرض من غير دوس مكروه ،وقال صاحب الدر من الحنفية مؤيدا قول الشافعية في جواز تقبيل الخبز: (وقواعدنا لا تأباه) .
المذهب الحنفي :
جاء في الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) - (6 / 384)
وأما تقبيل الخبز فحرر الشافعية أنه بدعة مباحة وقيل حسنة وقالوا يكره دوسه لا بوسه ذكره ابن قاسم في حاشيته على شرح المنهاج لابن حجر في بحث الوليمة وقواعدنا لا تأباه وجاء «لا تقطعوا الخبز بالسكين وأكرموه فإن الله أكرمه» .
(قوله وجاء إلخ) قال شيخ مشايخنا الشيخ إسماعيل الجراحي في الأحاديث المشتهرة " «لا تقطعوا الخبز واللحم بالسكين كما تقطع الأعاجم ولكن انهشوه نهشا» قال الصغاني موضوع اهـ وفي المجتبى لا يكره قطع الخبز واللحم بالسكين اهـ والله تعالى أعلم.
وفي [حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ص: 216]
وتقبيل الخبز قال أصحاب الشافعي رضي الله تعالى عنه انه بدعة مباحة وقالوا يكره دوسه لا بوسه وقواعدنا لا تأباه
المذهب الشافعي
جاء في تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي - (7 / 434)
أما كون تقبيل الخبز بدعة فصحيح ولكن البدعة لا تنحصر في الحرام بل تنقسم إلى الأحكام الخمسة ولا شك أنه لا يمكن الحكم على هذا بالتحريم؛ لأنه لا دليل على تحريمه ولا بالكراهة؛ لأن المكروه ما ورد عنه نهي خاص أي أو كان فيه خلاف قوي كما صرحوا به ولم يرد في ذلك نهي والذي يظهر أن هذا من البدع المباحة فإن قصد بذلك إكرامه لأجل الأحاديث الواردة في إكرامه فحسن ودوسه مكروه كراهة شديدة بل مجرد إلقائه في الأرض من غير دوس مكروه لحديث ورد في ذلك انتهى اهـ.
وفي الحاوي للفتاوي -للسيوطي (1 / 221)
مسألة: تقبيل الخبز هل هو بدعة أم لا؟ وإذا كان بدعة هل يكون حراما أم لا؟ وقد قال ابن النحاس في تنبيه الغافلين: ومنها - أي من البدع - تقبيل الخبز وهو بدعة لا تجوز، وقد أفتى جماعة أنه يجوز دوسه ولا يجوز بوسه، لكن دوسه خلاف الأولى، وربما كرهه بعضهم، وأما بوسه فهو بدعة وارتكاب البدع لا يجوز، وانظر إلى قول عمر رضي الله عنه في الحجر الأسود: إني لأعلم أنك لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك، هذا وهو الحجر الأسود الذي هو من ياقوت الجنة وهو يمين الله في الأرض يصافح بها خلقه، كما ورد في الحديث، فكيف يجوز تقبيل الخبز؟
لكن يستحب إكرامه ورفعه من تحت الأقدام من غير تقبيل، وقد ورد في إكرام الخبز أحاديث لا أعلم فيها شيئا صحيحا ولا حسنا. هذا نصه بحروفه، فهل ما قاله هو الصحيح المعتمد أم لا؟
الجواب: أما كون تقبيل الخبز بدعة فصحيح، ولكن البدعة لا تنحصر في الحرام بل تنقسم إلى الأحكام الخمسة، ولا شك أنه لا يمكن الحكم على هذا بالتحريم؛ لأنه لا دليل على تحريمه ولا بالكراهة؛ لأن المكروه ما ورد فيه نهي خاص، ولم يرد في ذلك نهي، والذي يظهر أن هذا من البدع المباحة، فإن قصد بذلك إكرامه لأجل الأحاديث الواردة في إكرامه فحسن، ودوسه مكروه كراهة شديدة، بل مجرد إلقائه في الأرض من غير دوس مكروه؛ لحديث ورد في ذلك.
أدلة القول الأول :
لأنه لا دليل على التحريم ولا الكراهة، لأن المكروه ما ورد عنه نهي، أو كان فيه خلاف قوي، ولم يرد في ذلك نهي ،
ولأجل الأحاديث الواردة في إكرامه فحسن،
كحديث عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال أكرموا الخبز ) رواه الحاكم في [المستدرك على الصحيحين7145 4/ 136] وصححه ووافقه الذهبي ،ورواه البيهقي في شعب الإيمان [5869 - 5/ 84]، وصححه السيوطي في الجامع الصغير وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير 1/265 .
وحديث : لا تقطعوا الخبز بالسكين كما تقطعه الأعاجم وإذا أراد أحدكم أن يأكل اللحم فلا يقطعه بالسكين ولكن ليأخذه بيده فلينهشه بفيه فإنه أهنأ وأمرأ .
( ضعيف ) أخرجه الطبرانى (23/285 ، رقم 624) ، قال الهيثمى (5/37) : فيه عباد بن كثير الثقفى وهو ضعيف . والبيهقى فى شعب الإيمان (5/114 ، رقم 6007) ،وراجع [مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 5/ 50].
مناقشة أدلة القول الأول :
من المؤكد أن لم يرد نهي خاص عن تقبيل الخبز حتى يدل على الكراهة أو التحريم ،ولكن أدلة النهي عن الإبتداع في الدين ظاهرة جلية ،ومستفيضة ،وبهذا تمسك أصحاب القول الثاني .
وبالنسبة للأحاديث التي أستدل بها أصحاب القول الأول فأكثرها ضعيف لا تقوم به الحجة ،باستثناء حديث أكرموا الخبز ،فإن شراح الحديث وأهمهم المناوي قال :أن إكرم الخبز عام بسائر أنواعه ومثلوا لذلك بأن لا يوضع عليه ما يلوثه ويقذره أو يغير رائحته ، أن لا يوطأ ولا يمتهن كأن يستنجى به أو يوضع في القاذورة والمزابل أو ينظر إليه بعين الاحتقار .[فيض القدير 2/ 91 و 92]
فأنت ترى أنه جعل مفهوم الإكرام عاماً في دفع الأذى والإهانة عن الخبز،وأما التقبيل فقدر زائد على ذلك ،مع أننا لا نختلف بأن التقبيل وجه من وجوه الإكرام للمقبل .وسيأتي مزيد الكلام على هذا في الترجيح .
القول الثاني :كراهة تقبيل الخبز وعدم مشروعيته،وهو قول المالكية والحنابلة،وبعض الشافعية.
نص المالكية على كراهة تقبيل الخبز ،وكراهة امتهان الخبز أيضاً بوضع الرجل عليه أو وضعه عليها ،أو مسح يديه به ووضعه تحت القصعة
وأما الحنابلة وبعض الشافعية فقالوا: لا يشرع تقبيل الخبز ولا الجمادات إلا ما استثناه الشرع .
المذهب المالكي :
جاء في [الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني 1/ 356]
ونصوا هنا على كراهة تقبيل المصحف والخبز كما يكره امتهانه أي الخبز على المعتمد والدليل على طلب تقبيل الحجر ما في الصحيحين ان عمر رضي ( ( ( رحمه ) ) ) الله تعالى عنه جاء الى الحجر الاسود فقبله وقال إني اعلم انك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا اني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك ...
وفي [منح الجليل شرح على مختصر سيد خليل. 2/ 267]،و[الخرشي على مختصر سيدي خليل 2/ 326]
ويكره تقبيل المصحف والخبز والمعتمد أن امتهان الخبز مكروه ولو بوضع الرجل عليه أو وضعه عليها ا ه عب
المذهب الحنبلي :
جاء في كشاف القناع عن متن الإقناع - (5 / 181)
(ولا يشرع تقبيل الخبز ولا الجمادات إلا ما استثناه الشرع) كتقبيل الحجر الأسود
وفي منار السبيل في شرح الدليل - (2 / 207 و 208)
"ولا يشرع تقبيل الخبز" لحديث عائشة: دخل علي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فرأى كسرة ملقاة، فأخذها فمسحها ثم أكلها، وقال: "يا عائشة، أكرمي كريمك، فإنها ما نفرت عن قوم، فعادت إليهم".
رواه ابن ماجه. ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب الشكر له بنحوه، ولفظه: "أحسني جوار نعم الله عليك". قال في الآداب: فهذا الخبر يدل على عدم التقبيل، لأن هذا محله كما يفعل في هذا الزمان.
"وتكره إهانته، ومسح يديه به، ووضعه تحت القصعة" نص عليه، لما تقدم، وكره أحمد الخبز الكبار، وقال: ليس فيه بركة. ويجوز قطع اللحم بالسكين، لما روى البخاري: أنه صلى الله عليه وسلم كان يحتز من كتف شاة ... الحديث. احتج به أحمد. وسئل عن حديث النهي عنه، فقال: ليس بصحيح.
وفي الآداب الشرعية والمنح المرعية - (3 / 231)
[فصل في استحباب إكرام الخبز دون تقبيله وشكر النعم]
هل يستحب تقبيل الخبز كما يفعله بعض الناس ؟
كلام الإمام أحمد - رحمه الله - في مسألة تقبيل المصحف يدل على عدم التقبيل وهو ظاهر كلام الشيخ تقي الدين فإنه ذكر أنه لا يشرع تقبيل الجمادات، إلا ما استثناه الشرع، ... لأن ما طريقه القربة يقف على التوقيف بدليل قول عمر في الحجر الأسود «لولا أني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبلك ما قبلتك» ، وليس في هذا توقيف؟ فيه عن أحمد روايتان.
وقد تقدم كلام والده في تقبيل المصحف بهذا المعنى وروى ابن أبي الدنيا في كتاب الشكر له عن عائشة - رضي الله عنها - قالت دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرأى كسرة ملقاة فقال «يا عائشة أحسني جوار نعم الله عليك فإنها قل إن نفرت عن قوم فكادت ترجع إليهم» ورواه ابن ماجه ولفظه فدخل علي، فرأى كسرة ملقاة فأخذها فمسحها ثم أكلها وقال «يا عائشة أكرمي كريمك فإنها ما نفرت عن قوم فعادت إليهم» فهذا الخبر يدل على عدم التقبيل؛ لأن هذا محله كما يفعل في هذا الزمان.
راجع أيضاً :
الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل - (3 / 236)،دليل الطالب لنيل المطالب - (1 / 251)،مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى - (5 / 247)،غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب - (2 / 153)، [المستدرك على فتاوى ابن تيمية 4/ 170]
فائدة :والمنع منه قول بعض الشافعية
قال الحافظ : قال شيخنا – يعني زين الدين العراقي - في شرح الترمذي فيه كراهة تقبيل ما لم يرد الشرع بتقبيله .[فتح الباري 3/ 463]
و قال ابن النحاس في تنبيه الغافلين ومنها أي من البدع تقبيل الخبز وهو بدعة لا يجوز .[تحفة المحتاج في شرح المنهاج 31/ 428]
أدلة القول الثاني :
حديث عمر رضي الله عنه أنه جاء إلى الحجر الأسود فقبله فقال إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك .
أخرجه البخارى (2/ 149، رقم1597) ، ومسلم (2/925 ، رقم 1270) ، وأحمد (1/16 ، رقم 99) وأبو داود (2/175 ، رقم 1873) ، والترمذى (3/214 ، رقم 860) وقال : حسن صحيح . والنسائى (5/227 ، رقم 2937) ، وابن حبان (9/131 ، رقم 3822) .
قال ابن بطال : أراد عمر أن يعلم أن استلامه لا يقصد به إلا تعظيم الله تعالى والوقوف عند أمر نبيه عليه السلام إذ ذلك من شعائر الحج التى أمر الله بتعظيمها ، وأن استلامه مخالف لفعل أهل الجاهلية فى عبادتهم الأصنام ؛ لأنهم كانوا يعتقدون أنها تقربهم إلى الله زلفى ، فنبه عمر على مجانبة هذا الإعتقاد ، وأنه لا ينبغى أن يعبد إلا من يملك الضر والنفع ، وهو الله تعالى .[شرح صحيح البخارى ـ 4/ 278]
وقال القاضي عياض : وأن تقبيله الحجر ليس عبادة له بل لله تعالى ؛ بامتثال أمره فيه ، كأمره بسجود الملائكة لآدم ، وشُرع مع ذلك التكبير للناس إظهاراًاْن ذلك الفعل تذللأ له لا لغيره ، أن التحسين والتقبيح إنما هو من قبل الشرع لا من قبل العقل ، واْن كل ما جاء به الشرع فهو الحسن المحمود ، وسر ذلك محض العبودية ، وأن العبادات على ضربن : منها ما فُهم معناه وعلتها ومصلحتها ، ومنها ما وضع لمجرد التعبد وامتثال الأمر وإطراح استعمال العقل .[إكمال المعلم شرح صحيح مسلم - 4/ 180]
وقال الخطابي : قلت فيه من العلم أن متابعة السنن واجبة وإن لم يوقف لها على علل معلومة وأسباب معقولة وأن أعيانها حجة على من بلغته وإن لم يفقه معانيها إلاّ أن معلوماً في الجملة أن تقبيله الحجر إنما هو إكرام له واعظام لحقه وتبرك به وقد فضل الله بعض الأحجار على بعض كما فضل بعض البقاع والبلدان وكما فضل بعض الليالي والأيام والشهور وباب هذا كله التسليم وهو أمرسائغ في العقول جائز فيها غير ممتنع ولا مستنكر .
[معالم السنن 288 2/ 191]
وقال شيخ الإسلام :ولهذا قال الفقهاء العبادات مبناها على التوقيف كما فى الصحيحين عن عمر بن الخطاب أنه قبل الحجر الاسود.
[مجموع الفتاوى 1/ 334]
وقال أيضاً : واتفق العلماء على أن من زار قبر النبى صلى الله عليه وآله وسلم أو قبر غيره من الأنبياء والصالحين الصحابة وأهل البيت وغيرهم أنه لا يتمسح به ولا يقبله بل ليس فى الدنيا من الجمادات ما يشرع تقبيلها إلا الحجر الأسود وقد ثبت فى الصحيحين أن عمر رضى الله عنه قال والله أنى لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا إنى رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقبلك ما قبلتك .
[مجموع الفتاوى 27/ 79]
وقال أيضاً :صح عن عمر رضي الله عنه أنه قال حين أراد تقبيل الحجر الأسود إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أن رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك لما قبلتك وزاد بعضهم أن أبا بكر رضي الله عنه قال بل ينفع ويشفع وهذا كذب واضح ... وروى الأزرقي عن علي رضي الله عنه في ذلك أثرا لكن إسناده ضعيف واه .
[مختصر الفتاوى المصرية لابن تيمية ص: 301]
وحديث عائشة: " دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى كسرة ملقاة فأخذها فمسحها ثم أكلها , وقال: يا عائشة أكرمى كريمك فإنها ما نفرت عن قوم فعادت إليهم "
( ضعيف ) رواه ابن ماجه (3353)،ورواه ابن أبى الدنيا فى كتاب الشكر له (1/1/2)بنحوه ولفظه: " أحسنى جوار نعم الله عليك ".راجع [إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل(1961) 7/ 20]
فهذا الخبر يدل على عدم التقبيل؛ لأن هذا محله كما يفعل في هذا الزمان.
مناقشة أدلة القول الثاني :
في الحقيقة أدلة القول الثاني فيها الصحيح كأثر عمر ،والضعيف كحديث عائشة ،ولو صح حديثها لكان فصلاً في الخلاف ،وأما أثر عمر بن الخطاب فهو دليل قوي على ذهبوا إليه ولكنه لا يشمل كل صور التقبيل التي ذكرناها في أول البحث ،بل هو محصر بالنوع الأول فقط .
الترجيح
فلقد علمت قبل أن لتقبيل الخبز ثلاث صور لا رابع لها :
فأما الأول أن يقبّله تعبداً لله .
وأما الثاني أن يقبّله إكراماً لهذه النعمة .
وأما الأخير أن يقبّله على سبيل شُكر نعم الله وخوفاً من زوالها .
وبناءً على هذا التقسيم فإن حكم تقبيل الخبز يختلف باختلاف الصورة التي قبل لها ،فإذا قبّله تعبداً فهذه بدعة ممنوعة شرعاً ،وغير مشروعة ،وهذا يوافق القول الثاني ،وأما إذا قبّل الخبز إكراماً له فهذا جائز وليس فيه بأس ،لأن باب الإكرام واسع وقد ورد في الشرع ما يؤكد إكرام الخبز ،وأما إذا قبّل الخبز شكراً لله على النعمة وخوفاً من زوالها ،فهذا مما به بأس عندي ويدخل في الصورة الأولى ،لأن شكر النعم عبادة تكون بالإقرار بالنعمة والمعرفة بقدر الحاجة إليها (وهذا هو الجانب الإعتقادي )،ثم استعمال النعمة في طاعة الله ،وكذا التحدث بها وإظهارها( وهذا هو الجانب العملي ).
وأما قول البعض بكراهة تقبيل ما لم يرد الشرع بتقبيله،فنقول :نعم إذا كان التقبيل على وجه التعبد فهو محرم وليس مكروهًا فحسب ،وأما إذا لم ليكن لذلك فلا كراهة في فعل المباحات .
قال الشاطبي : وإن العاديات من حيث هي عادية لا بدعة فيها ومن حيث يتعبد بها أو توضع وضع التعبد تدخلها البدعة . الاعتصام للشاطبي (2/ 594)
فإن قال قائل : قد كان الخبز موجودًا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، كما كانت الدواعي لإكرامه متوفرة؛ ولم يُنْقل مثل هذا عن سلفٍ من الصحابة الكرام، أو لم يشتهر بينهم على الأقل، ولم يأْتِ بذلك نصٌّ مبيحٌ.
فأما النص فقد جاءنا نص عام بتكريم الخبز ،وأما عدم نقله عن الصحابة فلا يدل على المنع دائماً ،كما أن عدم النقل لا يدل على عدم الفعل سيما إذا كان الفعل من المباحات فكم من المباحات فعلها السلف وليس عندنا فيها نقل ،وأما مسألة عدم الفعل مع توفر الدواعي لذلك الفعل ،أقول : نعم أتفق مع هذا القول ،ولذلك قلت أن التقبيل إذا كان على وجه التعبد والشكر فهو بدعة لتوفر الدواعي لذلك ،ومع ذلك ترك التقبيل على هذا النحو ،وأما إذا كان على وجه الإكرام المجرد فمباح .
ومن المهم معرفة أن التقبيل أنواع فمنه ما قصد به التعبد ،ومنه ما قصد به الإكرام والإجلال ،ومنه ما قصد به التعبير عن العاطفة،وأما جنس المقبّل فقد يكون جماداً ،أو حياً .
فلا يخلط المرء بين هذه الأنواع ،حتى يسلم من الخلط في الحكم ،وينبه هنا أنه إذا علم المفتي من حال المستفتي بأنه يقبل الخبز اعتقادا من أنه عبادة ،فلا يتردد في الحكم بالبدعية ،ودون ذكر التفصيل الذي مرّ سابقاً ،حتى لا يتحايل عليه .
الخلاصة أن من قبّل الخبز تعبداً وشكراً لله فهذا من البدع المحدثة ،وأما إن قصد بذلك الإكرام المجرد فهذا لا بأس به إن شاء الله تعالى .
الحمد لله رب العالمين
منقول
المعتزة بديني- شخصية مميـزة
- الاوسمه :
عدد المساهمات : 1356
نقاط : 7743
السٌّمعَة : 12
تاريخ التسجيل : 07/08/2010
مواضيع مماثلة
» ورقة صغيرة وضعت تحت رغيف الخبز
» صوره تتحرك من نهار الى ليل بتحريك الماوس
» صوره أذهلت العالم بطريقة التقاطها
» صوره تتحرك من نهار الى ليل بتحريك الماوس
» صوره أذهلت العالم بطريقة التقاطها
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى