الفارس المجهول فى حياة الأبناء
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
الفارس المجهول فى حياة الأبناء
هدى سيد
في زماننا أصبح الأب كالضيف الغالي الذي كلما سنحت له الفرصة يأتي لزيارة أبنائه كل عدة شهور أو ربما أعوام، وفي كل مرة يتعرف عليهم من جديد فيقدِّم له ابنه مشروبًا مثلا فيسأله الأب: أنت الآن في أي صفّ دراسي؟ بل وصل الأمر إلى أن يسأل ابنه: كم تبلغ من العمر الآن؟ حتى أضحى الأب كالفارس المجهول الذي بات ينتظره الأبناء أن يأتي في يوم ما.. هذه القضية نحاول التعرف على ملامحها وجذورها وكذلك سبل معالجتها في السطور التالية.
الأب الحق
بدايةً يقول الدكتور عبد الخالق الشريف، الداعية الإسلامي وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين: الأب هو القدوة الصالحة لأبنائه ودورُه قائم على التربية وليس التغذية، والفرق بين هذين الأبوين شاسع، ويضيف بالقول: إن الصحة النفسيَّة للأبناء لا بدَّ أن نضعها في الاعتبار مع صحتهم الجسديَّة وتفوقهم العلمي؛ ومن هنا يأتي دور الأب في أن يربي أبناءه على الإسلام والتقوى والصدق ويزرع فيهم حب صلة الرحم وبر الوالدين وحسن الخلق، وكذلك التعرف على أصدقائهم ليعرف الفاسد من الصالح فكما قالوا: ليس شيء أدل على شيء مثل الصديق على صديقه.
وإذا تخلى الأب عن هذا كله فلن يقوم بدوره الذي سيسأله الله عز وجل عنه يوم القيامة (فكلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيته) ولا عذر لمن يهمل تربية أولاده بحجة الانشغال أكثر من اللازم بالعمل، ومثل هذا الابن أطلق عليه لقب يتيم الأب الحي؛ فأبوه حي ولكن الولد يعيش كأنه يتيم، وحقيقة تربيته مثل اليتامى الذين فقدوا آباءهم بالفعل.
ويضيف فضيلته: فنماذج هؤلاء الآباء مدمِّرة للأسرة فضلا عن أن الأسرة مفكَّكة في الأساس والأسوياء منهم هم من يحسنون صنعًا ودور الأب يبدأ منذ اختيار الزوجة والأم التي يجب أن تكون صالحةً عفيفة مهذبة عاقلة متدينة؛ فالأب الصالح قديمًا يقول لابنه: (لقد أحسنت صنعًا في ثلاث؛ اخترتُ لك أُمًّا تقية واسمًا كريمًا وأعانني الله على تربيتك) فلم يبق لك عندي شيء.
وإذا كانت حقيقة المربي هي الأم فالأب هو الموجه والمراقب وخاصة للذكور وطبيعة الأسرة السوية تقوم على تعاون الاثنين في التربية؛ فالأم المربية لا يسمع منها إلا الألفاظ الطيبة فتقدم لأبنائها نموذجًا للزوجة الصالحة بحسن معاملتها للأب واحترامه وحفظ هيبته أمام الأبناء والعدل بين الأبناء فلا تفضيل للذكور على الإناث، والأب له نظرة ضروريَّة كذلك في تربية البنات تختلف عن الأم؛ لأنه يتعامل مع الحياة ويكتسب منها الخبرة الحياتيَّة فلا بد أن يستخدمها في حماية بناته، وأهم من هذا كله أن يحسن معاملة زوجته أمام الأبناء حتى يكون لهم القدوة الطيبة.
أين أنت يا أبي؟
ويؤكِّد الأستاذ معتز شاهين -استشاري تربوي- على أن عاطفة الأبوة هي عاطفة فطريَّة كالأمومة، ولكن طبيعة هذه العاطفة الفطريَّة تختلف عند الأب عن الأم بصورة كبيرة، فالأم ترتبط بالطفل منذ اللحظة التي يتكون فيها بداخلها، فترتبط به ارتباطًا وجدانيًّا وجسديًّا، أما الأب فيشعر بهذا الارتباط عندما يرى طفله ويحتضنه، بحكم أن الرجل عقلاني أكثر من المرأة التي تعتمد على العاطفة، وتابع: وقد اهتمَّ الإسلام بتوجيه الآباء نحو إحسان تربيتهم لأبنائهم، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لأن يؤدب الرجل ولده خير من أن يتصدق بصاع).
ربان سفينة الحياة
ويؤكِّد الأستاذ معتز أن الماديات وحدها لا تكفي لتربية الأبناء، وما نحن فيه الآن من تفسُّخ ودمار أخلاقي وقيمي ما هو إلا نتاج طبيعي ومتوقع من ترك الآباء لأبنائهم والجري وراء الكسب الوفير في البلاد الأخرى، فوجدنا أبًا لم يرى أبناءه طوال 20 سنة سوى 6 شهور فقط، وباقي السنوات يعمل في إحدى الدول الخارجيَّة سعيًا لكسب الرزق لتوفير حياة هنيئة لأبنائه، وهو في سعيه ذلك يظن أنه يؤدي مهمَّة عظيمة وجليلة لأبنائه، ونسي أو تناسى أن وظيفته الأساسيَّة غير ذلك تمامًا.
وتابع شاهين: في تعامل الأب مع البنات لا بد أن نرى الأب العطوف الرحيم، الذي تجده الابنة دائمًا يقدم لها العطف والحب والحنان وإلا بحثت عنه في الخارج، فيفهم ماذا تريد بدون أن تتكلم، فحينما ذهب إليه علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- ليخطب يد فاطمة، دخل على البيت ولم يتكلمْ، بل ظل ينظر إلى الأرض، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ما الذي جاء بك يا علي"، فقال: لا شيء يا رسول الله، فقال النبي: "لعلك جئت تخطب فاطمة؟"، فقال: "نعم يا رسول الله"، فقال: "هل معك شيء تتزوج به؟"، قال: قلت: "لا يا رسول الله"، قال: "أليس معك درعك الذي حاربت به؟"، قلت: "نعم؛ ولكنه لا يساوي شيئًا يا رسول الله 400 درهم فقط"، قال: "زَوَّجتُك عليه يا علي بشرط أن تُحسِن صُحبتها".
ووصف شاهين الأب الذي يتنصَّل من تربية أولاده ومصاحبتهم في كل مراحل عمرهم بأن لديه اعوجاجًا في فطرته، ولأن هذا التراخي والإهمال سيُسأل عنه يوم القيامة، قيل في الأثر: (أول من يتعلق بالرجل زوجته وأولاده، فيوقفونه بين يدي الله عز وجل فيقولون: يا ربنا خذ لنا حقنا من هذا الرجل....) فهذه أمانة قد حمَّلها الله عليك، ناظرًا إليك ماذا ستفعل فيها، فإن رعيتها حق الرعاية كافأك وأثابك في الدنيا برؤية أولادك صالحين مصلحين، وفي الآخرة بالدرجات العليا في الجنة.
منقول
ghada- شخصية مميـزة
- عدد المساهمات : 205
نقاط : 5203
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 03/06/2011
مواضيع مماثلة
» أثر الدعــــــــــــاء في صــــــــلاح الأبناء
» كيفية تربية الأبناء
» تربية الأبناء بين الواقع والمأمول
» الشيخ العريفي يبكي في لقاء مع أب فقد ستة من الأبناء
» نبضُهم.. لنا حياة!
» كيفية تربية الأبناء
» تربية الأبناء بين الواقع والمأمول
» الشيخ العريفي يبكي في لقاء مع أب فقد ستة من الأبناء
» نبضُهم.. لنا حياة!
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى