قال تعالى: " وأسألوا الله من فضله " ..
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
قال تعالى: " وأسألوا الله من فضله " ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
في قوله تعالى " وأسألوا الله من فضله " ..
قال ابن عباس : واسألوا الله من فضله : أي : من رزقه ،، وقال سعيد بن جبير : من عبادته ، فهو سؤال التوفيق للعبادة ،، وقال سفيان بن عيينة : لم يأمر بالمسألة إلا ليعطي.
فسبحان الله العظيم الذي سمى نفسه الرزاق الكريم ،،
لقد خَلَق الله الخلقَ وأَجرَى فِيهم أمرَه، وقضى فيهم بحكمِه، وامتنَّ على بَني آدمَ بالرزق والتكريم: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً" [الإسراء: 70]،
وجَعَل سبحانه الرِّزقَ بِيَده وحدَه، وأسبغه على خلقِه، وقسمه بينهم بحِكمَتِه، قال سبحانه: "كُلاً نُمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا" [الإسراء: 20].
وجَعَله من آياتِ وحدانيته في الكونِ، قال سبحانه: "أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ" [النمل: 64].
فالله قدَّر أرزاقَ العبادِ وهَدَاهم إليها، وهَدَى مَن يَأتي بها إِلَيهم، فأعطى من شاءَ بفضلِه، ومَنَع من شاء بعِلمِه وعدلِه، قال سبحانه: "وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ" [النحل: 71].
وليس ضِيقُ الرزق هوانًا، ولا سَعَتُه فضيلةً عِند الله، قالَ عزَّ وجلَّ: "فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ كَلاَّ" [الفجر: 15-17]، بَل عَطَاؤُه ومَنعُه امتحانٌ وابتِلاء، والإكرامُ إنما هو بالطاعةِ، والهوانُ بالمعصيةِ.
وطَلبُ الرِّزق ممّا أقضَّ مَضاجِعَ بعضِ النِّاس، فأصبَحَ الصَّغير ينشدُه والكَبير يطلُبه، وأحاديثُهم عَنه وحولَه؛ مِن طلب مالٍ وولد وأهلِين.
والرِّزقُ ليس باجتهادٍ وكدٍّ فحَسب، إنما هو فضلٌ مِنَ الله تولَّى قِسمَتَه بين عباده، لَن يأخُذَ أحدٌ مَا لم يُقدَّر له، ولن يُحرَمَ عَبدٌ ما كُتِب له، قال سبحانَه: "أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا" [الزخرف: 32].
يغني ضعيفَ الحواسِّ والبَدَن، ويُفقِر قوِيَّ الجَسَد والمدارك، يختارُ لهم مِنَ الرِّزق ممّا فِيه صلاحُهم وابتلاؤُهم، قال سبحانه" "وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ" [الشورى: 27].
وما مَنَع عَبدَه إلاّ ليُعطِيَه، ولا ابتلاه إلا لِيُعافِيَه، لا يمنَعُ عبده المؤمن شَيئًا من الدنيا إلاّ ويُؤتيه أفضلَ منه، ولا يغلِق عليه بابًا إلاَّ ويَفتَح له أبوابًا أخرَى أنفَع له منه. وهو سبحانه ضَمِن رزقَ العبد، وجَعَل لرزقِه أسبابًا أوجَبَ على العبد فِعلَها مع توكُّل القلبِ عَلَى الله في حُصُولها.
والإسلام يأمر بالعمل ويحثُّ عليه، وينهى عن الكسل ويزجر عنه، قال الرسول عليه الصلاة والسلام: ((لأن يأخُذ أحدكم حَبلَه فيحتَطِب على ظهره خيرٌ مِن أن يَأتيَ رَجلاً أعطاه الله مِن فضله، فيسأله، أعطاه أو مَنَعَه)) متفق عليه.
ومَن فعَلَ السّبَبَ وعلَّق أطماعَه بالبَشَر في تحقيقِ مَأمولِه خُذِل، قال سبحانه: "فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ" [العنكبوت: 17]. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "من رجا رزقًا من غير الله خذلَه الله".
والخلق لا ينفعون إلاّ بأمر الله، ولن يضرّوا إلاّ بإذن الله، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((واعلم أنَّ الأمّةَ لو اجتمعت على أن يَنفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضرّوك بشيء لم يضرّوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله عليك)) رواه الترمذي.
وقال الفضيل بنُ عياضٍ رحمه الله: "من عرَف الناسَ استراح" أي: أنهم لا ينفعون ولا يضرّون، فما دامَ الأجلُ باقيًا كانَ الرزق آتيًا، ولَن تموتَ نفسٌ حتى تستكمِلَ رِزقَها، قال بعض السلف: "ما اهتممتُ بالرزق ولا تعِبتُ في طلبه منذ سمعت الله يقول: "وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ" [الذاريات: 22].
كَم مِن سَبَب سعيتَ فيه فقُدِّر لغيرك، وكم مِن أمرٍ سَعى فيه غيرُك له فقدِّرَ لَك، فتوكَّل على الله في الزِّرق، واملأ قَلبَك من الثقةِ به ورجائه وحُسن الظنِّ به، قال الرسول عليه الصلاة والسلام: ((قال الله تعالى: أنا عِندَ ظنِّ عبدي بي)) متفق عليه.
ومَن فوَّضَ أمرَه إلى اللهِ كَفاه مَا أهمَّه وكَشَف عنه ما أغمَّه، وهو سبحانه الكريمُ المتفضِّل على عِبادِه بالإنعامِ والإكرامِ، قال سبحانه: "وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ" [النحل: 53]، خَزائنُ الأَرزاقِ بِيَده وَحدَه، ويمينُه ملأَى لا تَغيضُها نفقَةٌ سحَّاء اللّيل والنَّهار، يَقولُ عليه الصلاة والسلام: ((أَرأَيتُم ما أنفَقَ منذ خَلَقَ السّموات والأرض، فإنّه لم يَنقُص ما في يمينه)) متفق عليه.
وكَرَمُه وعطاؤُه دائِمٌ لا انقِطاعَ له، قال سبحانه: "مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ" [النحل: 96]. وهو سبحانه الرزاق ذو القوَّة المتين، أرغَدَ على قرًى وأمصار بنِعَم تتدفَّق إليها، قال سبحانه: "وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ" [النحل: 112]،
وتفضَّل على سَبَأ بجنَّتين عن يمين وشمالٍ تَسرّ الناظرين، وأنزل على بني إسرائيلَ وهم في أرضٍ جرداءَ أنزل عليهم المنَّ والسلوى وقال لهم: "كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ" [طه: 81]،
ومنَحَ أيّوب جرادًا من ذَهَب بعد طول بلاءٍ وشِدّة عناء، وألان لداود الحديد، وسخَّر معه الجبالَ تؤَوِّبُ معَه والطّير، وعلَّم سليمانَ مَنطِق الطّير، والرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ [ص: 36]، وقوَّاه بجنودٍ مِن إنس وجن وطير، ووهبه ملكًا لن يَنالَه مَن بعدَه، قال عليه السلام: "وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ" [النمل: 16]، قال الله له: "هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ" [ص: 39]، ومكَّن لذي القرنين في الأرض وآتاه من كلِّ شيء سببًا، وساق إلى مريم رزقَها وهي في مُصلاَّها.
وضَمِن رزقَ الصغيرِ والكبير، قال سبحانه" "وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ" [الأنعام: 151]، لم يدَع مخلوقًا إلاّ ورَزَقه، قال سبحانه: "وَكَأَيِّن مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ" [العنكبوت: 60]. قال ابن كثير رحمه الله: "يبعَث إلى كلِّ مخلوقٍ مِنَ الرِّزق ما يصلِحه".
وكَتَب سبحانَه رزقَ كلِّ عبدٍ وهو في بطن أمِّه قبل نفخِ الروح فيه، وجعَل الرزقَ يطلب صاحِبَه كما يطلبه أجلُه، وسيأتي ما قُدِّر له على ضعفه، ولن ينال ما لم يُقدَّر له مع قوَّتِه، ولو هرب من الرزق لأدركه كما يدركه الموت.
وتابَعَ جلّ وعلا على العِبادِ أرزاقَهم، وأمرهم بتذكُّر أفضالِه عليهم، فقال: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ" [فاطر: 3]، فأيقن الرسُلُ بذلك، وقال موسى عليه السلام: "رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى" [طه: 50]، وقالت مريم عليها السلام: "إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ" [آل عمران: 37].
وأغدق آلاءَه على عباده، فأقرَّ الجميعُ بأنه هو الرزاق وحده، قال سبحانه: "قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قُلْ اللَّهُ" [سبأ: 24]. قال ابن القيم رحمه الله: "وتأمّلْ ظهورَ اسمِ الرّزّاق في الخلِيقة وكيف وَسِعَهم رزقُه ترَ مَا تعجَبُ منه العقول". فلا تُشغِل همَّك بما ضُمِن لك من الرزق، فرزقُك لا يغدو لغيرِك، ورِزقُ غيرك لن يصِلَك، قال سبحانه: "إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ" [الحج: 70]، لا يأكُل أحدٌ رِزقَ أحَد، ولا يزاحمه فيه، قال سبحانه: "وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ" [الرعد: 8]، قال الحسنُ البصريّ رحمه الله: "لما علِمتُ أنَّ رِزقِي لَن يَأكلَه غَيري اطمَأنَّ قَلبي".
والدّعاءُ بابُ الرزقِ المفتوح، أمر الكريم عبادَه بمناجاتِه في الرزق لينالوا إِنعامَه، فقال سبحانه: "وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ" [النساء: 32]، وأمرهم أن يَسأَلوه حتى اللّقمَة والكسوَة، قال عليه الصّلاة والسّلام: ((قال الله تعالى: يا عبادِي كلّكم جَائِعٌ إلاّ مَن أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلّكم عارٍ إلاّ من كسوته فاستكسوني أكسكم)) متفق عليه.
فالتَجَأ الأنبياء إلى الله لينالوا فضلَه ورزقه، فقال عيسى عليه السلام: "وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ" [المائدة: 114]، وقال عليه الصلاة والسلام: ((اللّهمّ إني أسألك علمًا نافعًا ورِزقًا طيِّبًا وعمَلا متقبَّلاً)) رواه ابن ماجه، وكان النبيّ يعلِم من أسلم أن يقولّ: ((اللّهمّ اغفر لي وارحمني واهدِني وارزقني)) رواه مسلم.
قال شَيخُ الإسلامِ رحمه الله: "ينبغي للمهتَمِّ بأمر الرِّزقِ أن يلجَأَ فيه إلى اللهِ ويدعُوَه".
ومن أصلَح آخِرتَه صلحت دنياه، ولا يُنال ما عندَ الله إلا بطاعتِه، قال جلّ وعلا: "وَأَلَّوْ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا" [نوح: 16]، قال أبو الدرداء : (صلاحُ المعيشة من صلاحِ الدين، وصلاح الدين من صلاحِ العقل، وبالطاعةِ يُرزق العبد)، قال عليه الصلاة والسلام: ((إن الكافرَ إذا عمِل حسنةُ أُطعِم بها طعمةً مِنَ الدنيا، وأمّا المؤمنُ فإنَّ الله يدَّخرُ له حسناتِه في الآخرة، ويُعقِبُه رِزقًا في الدنيا على طاعته)) رواه مسلم.
والمتَّقِي يُرزَق من حيث يحتَسِب ومن حيث لا يحتَسِب بأسبابٍ مُباحة، ويكون كَسبه طيِّبًا سهلاً، قال عزّ وجلّ: "وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ" [الطلاق: 2، 3]. وغَيرُ المسلِم قَد يُرزَق لكن بتكلُّفٍ أو بأسبابٍ محرَّمة، وتُنزَع البركةُ من ماله.
والاستغفارُ يُكثر الأموالَ والأولادَ، قال سبحانه: "فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا" [نوح: 10-12]، قال بعض السلف رحمه الله: "آثارُ الحسناتِ والسيِّئات على القلوبِ والأبدان والأموالِ أمرٌ مشهود في العالم".
والصلاةُ رِزقُ للعبدِ بِغير حسبان، قال سبحانَه: "وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ" [طه: 132]. قال ابن كثير رحمه الله: "إذا قمتَ إلى الصّلاةِ أتاك الرِّزقُ مِن حيثُ لا تحتَسِب".
والصّدقةُ تنمِّي المالَ وتضاعِفه، قال جلّ وعلا: "مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً" [البقرة: 245]، وقال عليه الصلاة والسَّلام: ((قالَ الله تعالى: يا ابنَ آدم، أنفِق أُنفِق عليك)) متفق عليه.
وصِلةُ الأرحام مَثراةٌ للمال، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((من أحبَّ أن يُبسُط له في رزقه ويُنسَأ له في أجله فليصِل رحمَه)) متفق عليه.
[والصِّدقُ] في المعامَلَةِ بَرَكَة في المالِ، يقول عليه الصلاة والسلام ((فإن صَدَقا وبيَّنا بورِكَ لهما في بَيعِهِما)) متفق عليه.
وتَفريجُ همومِ المسلمين وقَضاءُ حوائِجِهم ييسِّر ما استَصعَبَ من الكَسب ويحقِّق المأمول، قال عليه الصلاة والسلام: ((ومَن كان في حاجةِ أخيه كان الله في حاجَتِه)) متّفق عليه.
وطالِبُ الرِّزق معانٌ من الله ما أعانَ غيرَه، قال صلى الله عليه وسلم: ((والله في عون العبد ما كان العبدُ في عون أخيه)) رواه مسلم.
والقربُ منَ الضعفاء والمساكين يفتَحُ أبواب الرِّزق، قال عليه الصلاة والسلام : ((إنما ترزَقون وتُنصرون بضعفائِكم)) رواه الترمذي.
وإِن أتاك المالُ مِن كسبٍ حلالٍ فخُذه بسَخَاوَة نفسٍ ليبارك لك فِيه، وإن رُزِقتَ فلا تكفُر، قال جلّ وعلا: "وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ" [النمل: 73].
وبِشكرِ النِّعمةِ المُسدَاة يَزيد الخيرُ والإنعامُ، قال سبحانه: "وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ" [إبراهيم: 7]، وقال عز وجل: "ومَن لم يشكر النِّعمةَ سَلبَه إيّاها، ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ" [الأنفال: 52].
وكلُّ نَقصٍ فسَبَبُه الذنوبُ، وما استجلِبَ رِزقُ الله بمثلِ تَركِ معاصيه، قال جلَّ وعلا: "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ" [الأعراف: 96].
ويُحرَم العبدُ الرزقَ بالذنبِ يصيبه، قالَ شيخ الإسلام رحمه الله: "وضِيقُ الرِّزق علَى عبدٍ من أهلِ الدّين قد يكون لما له من ذنوبٍ وخطايا". والشحُّ والبخل يمنعان العطاءَ من الله، يقول عليه الصلاة والسلام : ((لا تحصِي فيحصِي الله عليك)) متفق عليه، وقال صلى الله عليه وسلم لأسماءَ بنتِ أبي بكر: ((لا توكِي فيوكَى عَليك)) رواه البخاريّ. قال الجَزَرِيّ رحمه الله: "أي: لا تدَّخري وتشدّي ما عندك وتمنعي ما في يَدِك فتنقَطِع مادّة الرزق عنك".
والغنيُّ غنيّ النفس وإن لم يملك مالاً، قال عليه الصلاة والسلام: ((ليس الغِنى عن كثرة العرض ـ أي: كثرة المال ـ، ولكنّ الغِنى غِنى النفس)) متفق عليه.
ومَن قَنِع بما قُسِم له فهو من أغنى الناس، قال عليه الصلاة والسلام: ((قد أفلح من أسلَمَ ورُزِق كفافًا وقنَّعه الله بما آتاه)) رواه مسلم.
وسَعَةُ الرّزق ليسَت في كثرتِه، إنما هوَ بَالبركة فيهِ. وفي صُحبَة من هو دونك تظهَر النعمة، قال عوف بن عبد الله رحمه الله: "صَحِبتُ الأغنياء فلم أرَ أحدًا أكبرَ همًّا مِني؛ أرَى دابّةً خيرًا من دابّتي وثوبًا خيرًا من ثوبي، وصحِبتُ الفقراء فاسترحت".
والحرصُ يُقمَع بالقناعة، والطّمَع دواؤُه الرَّضا والتسليم، قال إبراهيم الحربيّ رحمه الله: "اتَّفَقَ العقلاء من كلِّ أمّة أنَّ من لم يَتَمشَّ مَع القدَرِ لم يتهنَأ بعيش".
ولا تحسِد ذا نعمةٍ على فضلِ الله، قال سبحانه: "وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ" [النساء: 32].
ومَن علِم أنَّ الرزقَ قَد فُرِغَ منه لم ييأَس على ما فاتَ منه. ولا يحملَنَّك استبطاءُ الرّزق على أن تطلبه بمعصية الله.
وخيرُ العيشِ ما لا يُلهي ولا يُنسي، وأربَح الناس من جعَل المالَ وَسائل إلى الله والدارِ الآخرة، وأَخسرُهم من توسَّل به إلى هواه ونيل شهواته. وما ادُّخِر للمؤمن من رزقٍ في الآخرة خيرٌ ممّا مُتِّع به أهلُ الدّنيا، قال عزّ وجلّ: "وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى" [طه: 171]. والغَنيُّ مَن استغنى عن الناسِ وافتقر إلى الله.
ومِن علامةِ سَعادةِ العبدِ اهتمامُه بأوامر الله دونَ مَا ضُمِن له مِنَ الرّزق، والدنيا دارُ ممرّ، والتَّمايُزُ الحقيقيّ في الرزق إنما هو في دَرَجَات الآخرة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، "انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً" [الإسراء: 21].
في قوله تعالى " وأسألوا الله من فضله " ..
قال ابن عباس : واسألوا الله من فضله : أي : من رزقه ،، وقال سعيد بن جبير : من عبادته ، فهو سؤال التوفيق للعبادة ،، وقال سفيان بن عيينة : لم يأمر بالمسألة إلا ليعطي.
فسبحان الله العظيم الذي سمى نفسه الرزاق الكريم ،،
لقد خَلَق الله الخلقَ وأَجرَى فِيهم أمرَه، وقضى فيهم بحكمِه، وامتنَّ على بَني آدمَ بالرزق والتكريم: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً" [الإسراء: 70]،
وجَعَل سبحانه الرِّزقَ بِيَده وحدَه، وأسبغه على خلقِه، وقسمه بينهم بحِكمَتِه، قال سبحانه: "كُلاً نُمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا" [الإسراء: 20].
وجَعَله من آياتِ وحدانيته في الكونِ، قال سبحانه: "أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ" [النمل: 64].
فالله قدَّر أرزاقَ العبادِ وهَدَاهم إليها، وهَدَى مَن يَأتي بها إِلَيهم، فأعطى من شاءَ بفضلِه، ومَنَع من شاء بعِلمِه وعدلِه، قال سبحانه: "وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ" [النحل: 71].
وليس ضِيقُ الرزق هوانًا، ولا سَعَتُه فضيلةً عِند الله، قالَ عزَّ وجلَّ: "فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ كَلاَّ" [الفجر: 15-17]، بَل عَطَاؤُه ومَنعُه امتحانٌ وابتِلاء، والإكرامُ إنما هو بالطاعةِ، والهوانُ بالمعصيةِ.
وطَلبُ الرِّزق ممّا أقضَّ مَضاجِعَ بعضِ النِّاس، فأصبَحَ الصَّغير ينشدُه والكَبير يطلُبه، وأحاديثُهم عَنه وحولَه؛ مِن طلب مالٍ وولد وأهلِين.
والرِّزقُ ليس باجتهادٍ وكدٍّ فحَسب، إنما هو فضلٌ مِنَ الله تولَّى قِسمَتَه بين عباده، لَن يأخُذَ أحدٌ مَا لم يُقدَّر له، ولن يُحرَمَ عَبدٌ ما كُتِب له، قال سبحانَه: "أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا" [الزخرف: 32].
يغني ضعيفَ الحواسِّ والبَدَن، ويُفقِر قوِيَّ الجَسَد والمدارك، يختارُ لهم مِنَ الرِّزق ممّا فِيه صلاحُهم وابتلاؤُهم، قال سبحانه" "وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ" [الشورى: 27].
وما مَنَع عَبدَه إلاّ ليُعطِيَه، ولا ابتلاه إلا لِيُعافِيَه، لا يمنَعُ عبده المؤمن شَيئًا من الدنيا إلاّ ويُؤتيه أفضلَ منه، ولا يغلِق عليه بابًا إلاَّ ويَفتَح له أبوابًا أخرَى أنفَع له منه. وهو سبحانه ضَمِن رزقَ العبد، وجَعَل لرزقِه أسبابًا أوجَبَ على العبد فِعلَها مع توكُّل القلبِ عَلَى الله في حُصُولها.
والإسلام يأمر بالعمل ويحثُّ عليه، وينهى عن الكسل ويزجر عنه، قال الرسول عليه الصلاة والسلام: ((لأن يأخُذ أحدكم حَبلَه فيحتَطِب على ظهره خيرٌ مِن أن يَأتيَ رَجلاً أعطاه الله مِن فضله، فيسأله، أعطاه أو مَنَعَه)) متفق عليه.
ومَن فعَلَ السّبَبَ وعلَّق أطماعَه بالبَشَر في تحقيقِ مَأمولِه خُذِل، قال سبحانه: "فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ" [العنكبوت: 17]. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "من رجا رزقًا من غير الله خذلَه الله".
والخلق لا ينفعون إلاّ بأمر الله، ولن يضرّوا إلاّ بإذن الله، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((واعلم أنَّ الأمّةَ لو اجتمعت على أن يَنفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضرّوك بشيء لم يضرّوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله عليك)) رواه الترمذي.
وقال الفضيل بنُ عياضٍ رحمه الله: "من عرَف الناسَ استراح" أي: أنهم لا ينفعون ولا يضرّون، فما دامَ الأجلُ باقيًا كانَ الرزق آتيًا، ولَن تموتَ نفسٌ حتى تستكمِلَ رِزقَها، قال بعض السلف: "ما اهتممتُ بالرزق ولا تعِبتُ في طلبه منذ سمعت الله يقول: "وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ" [الذاريات: 22].
كَم مِن سَبَب سعيتَ فيه فقُدِّر لغيرك، وكم مِن أمرٍ سَعى فيه غيرُك له فقدِّرَ لَك، فتوكَّل على الله في الزِّرق، واملأ قَلبَك من الثقةِ به ورجائه وحُسن الظنِّ به، قال الرسول عليه الصلاة والسلام: ((قال الله تعالى: أنا عِندَ ظنِّ عبدي بي)) متفق عليه.
ومَن فوَّضَ أمرَه إلى اللهِ كَفاه مَا أهمَّه وكَشَف عنه ما أغمَّه، وهو سبحانه الكريمُ المتفضِّل على عِبادِه بالإنعامِ والإكرامِ، قال سبحانه: "وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ" [النحل: 53]، خَزائنُ الأَرزاقِ بِيَده وَحدَه، ويمينُه ملأَى لا تَغيضُها نفقَةٌ سحَّاء اللّيل والنَّهار، يَقولُ عليه الصلاة والسلام: ((أَرأَيتُم ما أنفَقَ منذ خَلَقَ السّموات والأرض، فإنّه لم يَنقُص ما في يمينه)) متفق عليه.
وكَرَمُه وعطاؤُه دائِمٌ لا انقِطاعَ له، قال سبحانه: "مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ" [النحل: 96]. وهو سبحانه الرزاق ذو القوَّة المتين، أرغَدَ على قرًى وأمصار بنِعَم تتدفَّق إليها، قال سبحانه: "وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ" [النحل: 112]،
وتفضَّل على سَبَأ بجنَّتين عن يمين وشمالٍ تَسرّ الناظرين، وأنزل على بني إسرائيلَ وهم في أرضٍ جرداءَ أنزل عليهم المنَّ والسلوى وقال لهم: "كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ" [طه: 81]،
ومنَحَ أيّوب جرادًا من ذَهَب بعد طول بلاءٍ وشِدّة عناء، وألان لداود الحديد، وسخَّر معه الجبالَ تؤَوِّبُ معَه والطّير، وعلَّم سليمانَ مَنطِق الطّير، والرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ [ص: 36]، وقوَّاه بجنودٍ مِن إنس وجن وطير، ووهبه ملكًا لن يَنالَه مَن بعدَه، قال عليه السلام: "وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ" [النمل: 16]، قال الله له: "هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ" [ص: 39]، ومكَّن لذي القرنين في الأرض وآتاه من كلِّ شيء سببًا، وساق إلى مريم رزقَها وهي في مُصلاَّها.
وضَمِن رزقَ الصغيرِ والكبير، قال سبحانه" "وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ" [الأنعام: 151]، لم يدَع مخلوقًا إلاّ ورَزَقه، قال سبحانه: "وَكَأَيِّن مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ" [العنكبوت: 60]. قال ابن كثير رحمه الله: "يبعَث إلى كلِّ مخلوقٍ مِنَ الرِّزق ما يصلِحه".
وكَتَب سبحانَه رزقَ كلِّ عبدٍ وهو في بطن أمِّه قبل نفخِ الروح فيه، وجعَل الرزقَ يطلب صاحِبَه كما يطلبه أجلُه، وسيأتي ما قُدِّر له على ضعفه، ولن ينال ما لم يُقدَّر له مع قوَّتِه، ولو هرب من الرزق لأدركه كما يدركه الموت.
وتابَعَ جلّ وعلا على العِبادِ أرزاقَهم، وأمرهم بتذكُّر أفضالِه عليهم، فقال: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ" [فاطر: 3]، فأيقن الرسُلُ بذلك، وقال موسى عليه السلام: "رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى" [طه: 50]، وقالت مريم عليها السلام: "إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ" [آل عمران: 37].
وأغدق آلاءَه على عباده، فأقرَّ الجميعُ بأنه هو الرزاق وحده، قال سبحانه: "قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قُلْ اللَّهُ" [سبأ: 24]. قال ابن القيم رحمه الله: "وتأمّلْ ظهورَ اسمِ الرّزّاق في الخلِيقة وكيف وَسِعَهم رزقُه ترَ مَا تعجَبُ منه العقول". فلا تُشغِل همَّك بما ضُمِن لك من الرزق، فرزقُك لا يغدو لغيرِك، ورِزقُ غيرك لن يصِلَك، قال سبحانه: "إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ" [الحج: 70]، لا يأكُل أحدٌ رِزقَ أحَد، ولا يزاحمه فيه، قال سبحانه: "وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ" [الرعد: 8]، قال الحسنُ البصريّ رحمه الله: "لما علِمتُ أنَّ رِزقِي لَن يَأكلَه غَيري اطمَأنَّ قَلبي".
والدّعاءُ بابُ الرزقِ المفتوح، أمر الكريم عبادَه بمناجاتِه في الرزق لينالوا إِنعامَه، فقال سبحانه: "وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ" [النساء: 32]، وأمرهم أن يَسأَلوه حتى اللّقمَة والكسوَة، قال عليه الصّلاة والسّلام: ((قال الله تعالى: يا عبادِي كلّكم جَائِعٌ إلاّ مَن أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلّكم عارٍ إلاّ من كسوته فاستكسوني أكسكم)) متفق عليه.
فالتَجَأ الأنبياء إلى الله لينالوا فضلَه ورزقه، فقال عيسى عليه السلام: "وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ" [المائدة: 114]، وقال عليه الصلاة والسلام: ((اللّهمّ إني أسألك علمًا نافعًا ورِزقًا طيِّبًا وعمَلا متقبَّلاً)) رواه ابن ماجه، وكان النبيّ يعلِم من أسلم أن يقولّ: ((اللّهمّ اغفر لي وارحمني واهدِني وارزقني)) رواه مسلم.
قال شَيخُ الإسلامِ رحمه الله: "ينبغي للمهتَمِّ بأمر الرِّزقِ أن يلجَأَ فيه إلى اللهِ ويدعُوَه".
ومن أصلَح آخِرتَه صلحت دنياه، ولا يُنال ما عندَ الله إلا بطاعتِه، قال جلّ وعلا: "وَأَلَّوْ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا" [نوح: 16]، قال أبو الدرداء : (صلاحُ المعيشة من صلاحِ الدين، وصلاح الدين من صلاحِ العقل، وبالطاعةِ يُرزق العبد)، قال عليه الصلاة والسلام: ((إن الكافرَ إذا عمِل حسنةُ أُطعِم بها طعمةً مِنَ الدنيا، وأمّا المؤمنُ فإنَّ الله يدَّخرُ له حسناتِه في الآخرة، ويُعقِبُه رِزقًا في الدنيا على طاعته)) رواه مسلم.
والمتَّقِي يُرزَق من حيث يحتَسِب ومن حيث لا يحتَسِب بأسبابٍ مُباحة، ويكون كَسبه طيِّبًا سهلاً، قال عزّ وجلّ: "وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ" [الطلاق: 2، 3]. وغَيرُ المسلِم قَد يُرزَق لكن بتكلُّفٍ أو بأسبابٍ محرَّمة، وتُنزَع البركةُ من ماله.
والاستغفارُ يُكثر الأموالَ والأولادَ، قال سبحانه: "فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا" [نوح: 10-12]، قال بعض السلف رحمه الله: "آثارُ الحسناتِ والسيِّئات على القلوبِ والأبدان والأموالِ أمرٌ مشهود في العالم".
والصلاةُ رِزقُ للعبدِ بِغير حسبان، قال سبحانَه: "وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ" [طه: 132]. قال ابن كثير رحمه الله: "إذا قمتَ إلى الصّلاةِ أتاك الرِّزقُ مِن حيثُ لا تحتَسِب".
والصّدقةُ تنمِّي المالَ وتضاعِفه، قال جلّ وعلا: "مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً" [البقرة: 245]، وقال عليه الصلاة والسَّلام: ((قالَ الله تعالى: يا ابنَ آدم، أنفِق أُنفِق عليك)) متفق عليه.
وصِلةُ الأرحام مَثراةٌ للمال، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((من أحبَّ أن يُبسُط له في رزقه ويُنسَأ له في أجله فليصِل رحمَه)) متفق عليه.
[والصِّدقُ] في المعامَلَةِ بَرَكَة في المالِ، يقول عليه الصلاة والسلام ((فإن صَدَقا وبيَّنا بورِكَ لهما في بَيعِهِما)) متفق عليه.
وتَفريجُ همومِ المسلمين وقَضاءُ حوائِجِهم ييسِّر ما استَصعَبَ من الكَسب ويحقِّق المأمول، قال عليه الصلاة والسلام: ((ومَن كان في حاجةِ أخيه كان الله في حاجَتِه)) متّفق عليه.
وطالِبُ الرِّزق معانٌ من الله ما أعانَ غيرَه، قال صلى الله عليه وسلم: ((والله في عون العبد ما كان العبدُ في عون أخيه)) رواه مسلم.
والقربُ منَ الضعفاء والمساكين يفتَحُ أبواب الرِّزق، قال عليه الصلاة والسلام : ((إنما ترزَقون وتُنصرون بضعفائِكم)) رواه الترمذي.
وإِن أتاك المالُ مِن كسبٍ حلالٍ فخُذه بسَخَاوَة نفسٍ ليبارك لك فِيه، وإن رُزِقتَ فلا تكفُر، قال جلّ وعلا: "وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ" [النمل: 73].
وبِشكرِ النِّعمةِ المُسدَاة يَزيد الخيرُ والإنعامُ، قال سبحانه: "وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ" [إبراهيم: 7]، وقال عز وجل: "ومَن لم يشكر النِّعمةَ سَلبَه إيّاها، ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ" [الأنفال: 52].
وكلُّ نَقصٍ فسَبَبُه الذنوبُ، وما استجلِبَ رِزقُ الله بمثلِ تَركِ معاصيه، قال جلَّ وعلا: "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ" [الأعراف: 96].
ويُحرَم العبدُ الرزقَ بالذنبِ يصيبه، قالَ شيخ الإسلام رحمه الله: "وضِيقُ الرِّزق علَى عبدٍ من أهلِ الدّين قد يكون لما له من ذنوبٍ وخطايا". والشحُّ والبخل يمنعان العطاءَ من الله، يقول عليه الصلاة والسلام : ((لا تحصِي فيحصِي الله عليك)) متفق عليه، وقال صلى الله عليه وسلم لأسماءَ بنتِ أبي بكر: ((لا توكِي فيوكَى عَليك)) رواه البخاريّ. قال الجَزَرِيّ رحمه الله: "أي: لا تدَّخري وتشدّي ما عندك وتمنعي ما في يَدِك فتنقَطِع مادّة الرزق عنك".
والغنيُّ غنيّ النفس وإن لم يملك مالاً، قال عليه الصلاة والسلام: ((ليس الغِنى عن كثرة العرض ـ أي: كثرة المال ـ، ولكنّ الغِنى غِنى النفس)) متفق عليه.
ومَن قَنِع بما قُسِم له فهو من أغنى الناس، قال عليه الصلاة والسلام: ((قد أفلح من أسلَمَ ورُزِق كفافًا وقنَّعه الله بما آتاه)) رواه مسلم.
وسَعَةُ الرّزق ليسَت في كثرتِه، إنما هوَ بَالبركة فيهِ. وفي صُحبَة من هو دونك تظهَر النعمة، قال عوف بن عبد الله رحمه الله: "صَحِبتُ الأغنياء فلم أرَ أحدًا أكبرَ همًّا مِني؛ أرَى دابّةً خيرًا من دابّتي وثوبًا خيرًا من ثوبي، وصحِبتُ الفقراء فاسترحت".
والحرصُ يُقمَع بالقناعة، والطّمَع دواؤُه الرَّضا والتسليم، قال إبراهيم الحربيّ رحمه الله: "اتَّفَقَ العقلاء من كلِّ أمّة أنَّ من لم يَتَمشَّ مَع القدَرِ لم يتهنَأ بعيش".
ولا تحسِد ذا نعمةٍ على فضلِ الله، قال سبحانه: "وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ" [النساء: 32].
ومَن علِم أنَّ الرزقَ قَد فُرِغَ منه لم ييأَس على ما فاتَ منه. ولا يحملَنَّك استبطاءُ الرّزق على أن تطلبه بمعصية الله.
وخيرُ العيشِ ما لا يُلهي ولا يُنسي، وأربَح الناس من جعَل المالَ وَسائل إلى الله والدارِ الآخرة، وأَخسرُهم من توسَّل به إلى هواه ونيل شهواته. وما ادُّخِر للمؤمن من رزقٍ في الآخرة خيرٌ ممّا مُتِّع به أهلُ الدّنيا، قال عزّ وجلّ: "وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى" [طه: 171]. والغَنيُّ مَن استغنى عن الناسِ وافتقر إلى الله.
ومِن علامةِ سَعادةِ العبدِ اهتمامُه بأوامر الله دونَ مَا ضُمِن له مِنَ الرّزق، والدنيا دارُ ممرّ، والتَّمايُزُ الحقيقيّ في الرزق إنما هو في دَرَجَات الآخرة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، "انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً" [الإسراء: 21].
فتى الاسلام- شخصية مميـزة
- عدد المساهمات : 549
نقاط : 5779
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 18/04/2011
رد: قال تعالى: " وأسألوا الله من فضله " ..
[size=16][size=16][size=16][size=16][size=16][size=16][size=16][size=16][size=21][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size]
[size=16][size=16][size=16][size=16][size=16] [size=16][size=16][size=16][size=16][center]
[/size][/size] [b]سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
[center][size=16][size=16][size=16][size=16][size=16][size=16][size=16][size=16][size=16][size=16][size=16][size=16][size=16][size=16][size=16][size=16][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size]
[/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size] [/b] [/center]
أنور علي- شخصية مميـزة
- عدد المساهمات : 771
نقاط : 5956
السٌّمعَة : 4
تاريخ التسجيل : 21/03/2011
مواضيع مماثلة
» في رحاب قوله تعالى: { ومن يتوكل على الله فهو حسبه }
» قال الله تعالى : { إن الله يدافع عن الذين آمنوا } - كلام نفيس لشيخ الإسلام ابن تيمية
» ما هو الشيء الذي لم يره الله سبحانه وتعالى , ولم يسمع به ؟ يجيبك فقيه الزمان ابن عثيمين رحمه الله تعالى
» الله تعالى هو الذي قدر لك قصة حياتك
» هل (الحنَّان) و (المنَّان) مِن أسماء الله تعالى؟
» قال الله تعالى : { إن الله يدافع عن الذين آمنوا } - كلام نفيس لشيخ الإسلام ابن تيمية
» ما هو الشيء الذي لم يره الله سبحانه وتعالى , ولم يسمع به ؟ يجيبك فقيه الزمان ابن عثيمين رحمه الله تعالى
» الله تعالى هو الذي قدر لك قصة حياتك
» هل (الحنَّان) و (المنَّان) مِن أسماء الله تعالى؟
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى