أين الله؟ يجيبك شيخ الإسلام
صفحة 1 من اصل 1
أين الله؟ يجيبك شيخ الإسلام
بسم الله الرحمن الرحيم
سؤال وجواب لشيخ الإسلام ابن تيمية
(أين الله؟ )
سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ : أَبُو الْعَبَّاسِ : أَحْمَد بْنُ تيمية رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ رَجُلَيْنِ اخْتَلَفَا فِي الِاعْتِقَادِ . فَقَالَ أَحَدُهُمَا : مَنْ لَا يَعْتَقِدُ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي السَّمَاءِ فَهُوَ ضَالٌّ . وَقَالَ الْآخَرُ : إنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَا يَنْحَصِرُ فِي مَكَانٍ وَهُمَا شَافِعِيَّانِ فَبَيِّنُوا لَنَا مَا نَتَّبِعُ مِنْ عَقِيدَةِ " الشَّافِعِيِّ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَا الصَّوَابُ فِي ذَلِكَ ؟
الْجَوَابُ
الْجَوَابُ : الْحَمْدُ لِلَّهِ اعْتِقَادُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاعْتِقَادُ " سَلَفِ الْإِسْلَامِ " كَمَالِكِ وَالثَّوْرِيِّ والأوزاعي وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ راهويه ؛ وَهُوَ اعْتِقَادُ الْمَشَايِخِ الْمُقْتَدَى بِهِمْ كالفضيل بْنِ عِيَاضٍ وَأَبِي سُلَيْمَانَ الداراني وَسَهْلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التستري وَغَيْرِهِمْ . فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ وَأَمْثَالِهِمْ نِزَاعٌ فِي أُصُولِ الدِّينِ . وَكَذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ - فَإِنَّ الِاعْتِقَادَ الثَّابِتَ عَنْهُ فِي التَّوْحِيدِ وَالْقَدَرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مُوَافِقٌ لِاعْتِقَادِ هَؤُلَاءِ وَاعْتِقَادُ هَؤُلَاءِ هُوَ مَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ وَهُوَ مَا نَطَقَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ . قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَوَّلِ خُطْبَةِ " الرِّسَالَةِ " : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هُوَ كَمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ وَفَوْقَ مَا يَصِفُهُ بِهِ خَلْقُهُ . فَبَيَّنَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ اللَّهَ مَوْصُوفٌ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَكَذَلِكَ قَالَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ : لَا يُوصَفُ اللَّهُ إلَّا بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ أَوْ وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلَا تَعْطِيلٍ وَمِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلَا تَمْثِيلٍ بَلْ يُثْبِتُونَ لَهُ مَا أَثْبَتَهُ لِنَفْسِهِ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى وَالصِّفَاتِ الْعُلْيَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } لَا فِي صِفَاتِهِ وَلَا فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي أَفْعَالِهِ . إلَى أَنْ قَالَ : وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ؛ وَهُوَ الَّذِي كَلَّمَ مُوسَى تَكْلِيمًا ؛ وَتَجَلَّى لِلْجَبَلِ فَجَعَلَهُ دَكًّا ؛ وَلَا يُمَاثِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الْأَشْيَاءِ فِي شَيْءٍ مِنْ صِفَاتِهِ فَلَيْسَ كَعِلْمِهِ عِلْمُ أَحَدٍ وَلَا كَقُدْرَتِهِ قُدْرَةُ أَحَدٍ وَلَا كَرَحْمَتِهِ رَحْمَةُ أَحَدٍ وَلَا كَاسْتِوَائِهِ اسْتِوَاءُ أَحَدٍ وَلَا كَسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ سَمْعُ أَحَدٍ وَلَا بَصَرُهُ وَلَا كَتَكْلِيمِهِ تَكْلِيمُ أَحَدٍ وَلَا كَتَجَلِّيهِ تَجَلِّي أَحَدٍ . وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ أَخْبَرَنَا أَنَّ فِي الْجَنَّةِ لَحْمًا وَلَبَنًا وَعَسَلًا وَمَاءً وَحَرِيرًا وَذَهَبًا . وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مِمَّا فِي الْآخِرَةِ إلَّا الْأَسْمَاءُ . فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْمَخْلُوقَاتُ الْغَائِبَةُ لَيْسَتْ مِثْلَ هَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ الْمُشَاهَدَةِ - مَعَ اتِّفَاقِهَا فِي الْأَسْمَاءِ - فَالْخَالِقُ أَعْظَمُ عُلُوًّا وَمُبَايَنَةً لِخَلْقِهِ مِنْ مُبَايَنَةِ الْمَخْلُوقِ لِلْمَخْلُوقِ وَإِنْ اتَّفَقَتْ الْأَسْمَاءُ . وَقَدْ سَمَّى نَفْسَهُ حَيًّا عَلِيمًا سَمِيعًا بَصِيرًا وَبَعْضُهَا رَءُوفًا رَحِيمًا ؛ وَلَيْسَ الْحَيُّ كَالْحَيِّ وَلَا الْعَلِيمُ كَالْعَلِيمِ وَلَا السَّمِيعُ كَالسَّمِيعِ وَلَا الْبَصِيرُ كَالْبَصِيرِ وَلَا الرَّءُوفُ كَالرَّءُوفِ وَلَا الرَّحِيمُ كَالرَّحِيمِ . وَقَالَ فِي سِيَاقِ حَدِيثِ الْجَارِيَةِ الْمَعْرُوفِ : { أَيْنَ اللَّهُ ؟ قَالَتْ : فِي السَّمَاءِ } لَكِنْ لَيْسَ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ فِي جَوْفِ السَّمَاءِ وَأَنَّ السَّمَوَاتِ تَحْصُرُهُ وَتَحْوِيهِ فَإِنَّ هَذَا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا ؛ بَلْ هُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ فَوْقَ سَمَوَاتِهِ عَلَى عَرْشِهِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ ؛ لَيْسَ فِي مَخْلُوقَاتِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَاتِهِ وَلَا فِي ذَاتِهِ شَيْءٌ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ . وَقَدْ قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ : إنَّ اللَّهَ فَوْقَ السَّمَاءِ وَعِلْمُهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ - إلَى أَنْ قَالَ - : فَمَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ فِي جَوْفِ السَّمَاءِ مَحْصُورٌ مُحَاطٌ بِهِ وَأَنَّهُ مُفْتَقِرٌ إلَى الْعَرْشِ أَوْ غَيْرِ الْعَرْشِ - مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ - أَوْ أَنَّ اسْتِوَاءَهُ عَلَى عَرْشِهِ كَاسْتِوَاءِ الْمَخْلُوقِ عَلَى كُرْسِيِّهِ : فَهُوَ ضَالٌّ مُبْتَدِعٌ جَاهِلٌ وَمَنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ لَيْسَ فَوْقَ السَّمَوَاتِ إلَهٌ يُعْبَدُ وَلَا عَلَى الْعَرْشِ رَبٌّ يُصَلَّى لَهُ وَيُسْجَدُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يُعْرَجْ بِهِ إلَى رَبِّهِ ؛ وَلَا نَزَلَ الْقُرْآنُ مِنْ عِنْدِهِ : فَهُوَ مُعَطِّلٌ فِرْعَوْنِيٌّ ضَالٌّ مُبْتَدِعٌ - وَقَالَ - بَعْدَ كَلَامٍ طَوِيلٍ - وَالْقَائِلُ الَّذِي قَالَ : مَنْ لَمْ يَعْتَقِدْ أَنَّ اللَّهَ فِي السَّمَاءِ فَهُوَ ضَالٌّ : إنْ أَرَادَ بِذَلِكَ مَنْ لَا يَعْتَقِدُ أَنَّ اللَّهَ فِي جَوْفِ السَّمَاءِ بِحَيْثُ تَحْصُرُهُ وَتُحِيطُ بِهِ : فَقَدْ أَخْطَأَ . وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ مَنْ لَمْ يَعْتَقِدْ مَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا مِنْ أَنَّ اللَّهَ فَوْقَ سَمَوَاتِهِ عَلَى عَرْشِهِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ : فَقَدْ أَصَابَ فَإِنَّهُ مَنْ لَمْ يَعْتَقِدْ ذَلِكَ يَكُونُ مُكَذِّبًا لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّبِعًا لِغَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ؛ بَلْ يَكُونُ فِي الْحَقِيقَةِ مُعَطِّلًا لِرَبِّهِ نَافِيًا لَهُ ؛ فَلَا يَكُونُ لَهُ فِي الْحَقِيقَةِ إلَهٌ يَعْبُدُهُ وَلَا رَبٌّ يَسْأَلُهُ وَيَقْصِدُهُ . وَهَذَا قَوْلُ الجهمية وَنَحْوِهِمْ مِنْ أَتْبَاعِ فِرْعَوْنَ الْمُعَطِّلِ . وَاَللَّهُ قَدْ فَطَرَ الْعِبَادَ - عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ - عَلَى أَنَّهُمْ إذَا دَعَوْا اللَّهَ تَوَجَّهَتْ قُلُوبُهُمْ إلَى الْعُلُوِّ وَلَا يَقْصِدُونَهُ تَحْتَ أَرْجُلِهِمْ . وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ : مَا قَالَ عَارِفٌ قَطُّ : يَا اللَّهُ إلَّا وَجَدَ فِي قَلْبِهِ - قَبْلَ أَنْ يَتَحَرَّكَ لِسَانُهُ - مَعْنًى يَطْلُبُ الْعُلُوَّ لَا يَلْتَفِتُ يَمْنَةً وَلَا يَسْرَةً . وَذَكَرَ مِنْ بَعْدِ كَلَامٍ طَوِيلٍ - الْحَدِيثَ : { كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ } . وَلِأَهْلِ الْحُلُولِ وَالتَّعْطِيلِ فِي هَذَا الْبَابِ شُبُهَاتٌ يُعَارِضُونَ بِهَا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَمَا أَجْمَعَ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا ؛ وَمَا فَطَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ عِبَادَهُ وَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الدَّلَائِلُ الْعَقْلِيَّةُ الصَّحِيحَةُ . فَإِنَّ هَذِهِ الْأَدِلَّةَ كُلَّهَا مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ فَوْقَ مَخْلُوقَاتِهِ عَالٍ عَلَيْهَا قَدْ فَطَرَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ الْعَجَائِزَ وَالصِّبْيَانَ وَالْأَعْرَابَ فِي الْكُتَّابِ ؛ كَمَا فَطَرَهُمْ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْخَالِقِ تَعَالَى . وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : { كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ ؛ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ كَمَا تُنْتِجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ ؟ } ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ : اقْرَءُوا إنْ شِئْتُمْ : { فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ } . وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ : عَلَيْك بِدِينِ الْأَعْرَابِ وَالصِّبْيَانِ فِي الْكُتَّابِ وَعَلَيْك بِمَا فَطَرَهُمْ اللَّهُ عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ فَطَرَ عِبَادَهُ عَلَى الْحَقِّ وَالرُّسُلُ بُعِثُوا بِتَكْمِيلِ الْفِطْرَةِ وَتَقْرِيرِهَا لَا بِتَحْوِيلِ الْفِطْرَةِ وَتَغْيِيرِهَا . وَأَمَّا أَعْدَاءُ الرُّسُلِ كالجهمية الْفِرْعَوْنِيَّةِ وَنَحْوِهِمْ : فَيُرِيدُونَ أَنْ يُغَيِّرُوا فِطْرَةَ اللَّهِ وَيُورِدُونَ عَلَى النَّاسِ شُبُهَاتٍ بِكَلِمَاتِ مُشْتَبِهَاتٍ لَا يَفْهَمُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ مَقْصُودَهُمْ بِهَا ؛ وَلَا يَحْسُنُ أَنْ يُجِيبَهُمْ . وَأَصْلُ ضَلَالَتِهِمْ تَكَلُّمُهُمْ بِكَلِمَاتِ مُجْمَلَةٍ ؛ لَا أَصْلَ لَهَا فِي كِتَابِهِ ؛ وَلَا سُنَّةِ رَسُولِهِ ؛ وَلَا قَالَهَا أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ كَلَفْظِ التَّحَيُّزِ وَالْجِسْمِ وَالْجِهَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . فَمَنْ كَانَ عَارِفًا بِحَلِّ شُبُهَاتِهِمْ بَيَّنَهَا وَمَنْ لَمْ يَكُنْ عَارِفًا بِذَلِكَ فَلْيُعْرِضْ عَنْ كَلَامِهِمْ وَلَا يَقْبَلْ إلَّا مَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ كَمَا قَالَ : { وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ } . وَمَنْ يَتَكَلَّمُ فِي اللَّهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ بِمَا يُخَالِفُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ فَهُوَ مِنْ الْخَائِضِينَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِالْبَاطِلِ . وَكَثِيرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ يَنْسُبُ إلَى أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ مَا لَمْ يَقُولُوهُ ؛ فَيَنْسِبُونَ إلَى الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ : مِنْ الِاعْتِقَادَاتِ مَا لَمْ يَقُولُوا . وَيَقُولُونَ لِمَنْ اتَّبَعَهُمْ : هَذَا اعْتِقَادُ الْإِمَامِ الْفُلَانِيِّ ؛ فَإِذَا طُولِبُوا بِالنَّقْلِ الصَّحِيحِ عَنْ الْأَئِمَّةِ تَبَيَّنَ كَذِبُهُمْ . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : حُكْمِي فِي أَهْلِ الْكَلَامِ : أَنْ يُضْرَبُوا بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ وَيُطَافَ بِهِمْ فِي الْقَبَائِلِ وَالْعَشَائِرِ وَيُقَالَ : هَذَا جَزَاءُ مَنْ تَرَكَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَأَقْبَلَ عَلَى الْكَلَامِ . قَالَ أَبُو يُوسُفَ الْقَاضِي : مَنْ طَلَبَ الدِّينِ بِالْكَلَامِ تَزَنْدَقَ . قَالَ أَحْمَد : مَا ارْتَدَى أَحَدٌ بِالْكَلَامِ فَأَفْلَحَ . قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : الْمُعَطِّلُ يَعْبُدُ عَدَمًا وَالْمُمَثِّلُ يَعْبُدُ صَنَمًا . الْمُعَطِّلُ أَعْمَى وَالْمُمَثِّلُ أَعْشَى ؛ وَدِينُ اللَّهِ بَيْنَ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا } وَالسُّنَّةُ فِي الْإِسْلَامِ كَالْإِسْلَامِ فِي الْمِلَلِ . انْتَهَى وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: (( وكذلك جعلناكم أمّة وسطاً )) والسنّة فِي الإسلام كالإسلام فِي الملل. انتهى والحمد لله ربّ العالمين.
[ مجموع الفتاوى (5/256-261) ]
سؤال وجواب لشيخ الإسلام ابن تيمية
(أين الله؟ )
سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ : أَبُو الْعَبَّاسِ : أَحْمَد بْنُ تيمية رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ رَجُلَيْنِ اخْتَلَفَا فِي الِاعْتِقَادِ . فَقَالَ أَحَدُهُمَا : مَنْ لَا يَعْتَقِدُ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي السَّمَاءِ فَهُوَ ضَالٌّ . وَقَالَ الْآخَرُ : إنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَا يَنْحَصِرُ فِي مَكَانٍ وَهُمَا شَافِعِيَّانِ فَبَيِّنُوا لَنَا مَا نَتَّبِعُ مِنْ عَقِيدَةِ " الشَّافِعِيِّ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَا الصَّوَابُ فِي ذَلِكَ ؟
الْجَوَابُ
الْجَوَابُ : الْحَمْدُ لِلَّهِ اعْتِقَادُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاعْتِقَادُ " سَلَفِ الْإِسْلَامِ " كَمَالِكِ وَالثَّوْرِيِّ والأوزاعي وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ راهويه ؛ وَهُوَ اعْتِقَادُ الْمَشَايِخِ الْمُقْتَدَى بِهِمْ كالفضيل بْنِ عِيَاضٍ وَأَبِي سُلَيْمَانَ الداراني وَسَهْلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التستري وَغَيْرِهِمْ . فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ وَأَمْثَالِهِمْ نِزَاعٌ فِي أُصُولِ الدِّينِ . وَكَذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ - فَإِنَّ الِاعْتِقَادَ الثَّابِتَ عَنْهُ فِي التَّوْحِيدِ وَالْقَدَرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مُوَافِقٌ لِاعْتِقَادِ هَؤُلَاءِ وَاعْتِقَادُ هَؤُلَاءِ هُوَ مَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ وَهُوَ مَا نَطَقَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ . قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَوَّلِ خُطْبَةِ " الرِّسَالَةِ " : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هُوَ كَمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ وَفَوْقَ مَا يَصِفُهُ بِهِ خَلْقُهُ . فَبَيَّنَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ اللَّهَ مَوْصُوفٌ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَكَذَلِكَ قَالَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ : لَا يُوصَفُ اللَّهُ إلَّا بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ أَوْ وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلَا تَعْطِيلٍ وَمِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلَا تَمْثِيلٍ بَلْ يُثْبِتُونَ لَهُ مَا أَثْبَتَهُ لِنَفْسِهِ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى وَالصِّفَاتِ الْعُلْيَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } لَا فِي صِفَاتِهِ وَلَا فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي أَفْعَالِهِ . إلَى أَنْ قَالَ : وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ؛ وَهُوَ الَّذِي كَلَّمَ مُوسَى تَكْلِيمًا ؛ وَتَجَلَّى لِلْجَبَلِ فَجَعَلَهُ دَكًّا ؛ وَلَا يُمَاثِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الْأَشْيَاءِ فِي شَيْءٍ مِنْ صِفَاتِهِ فَلَيْسَ كَعِلْمِهِ عِلْمُ أَحَدٍ وَلَا كَقُدْرَتِهِ قُدْرَةُ أَحَدٍ وَلَا كَرَحْمَتِهِ رَحْمَةُ أَحَدٍ وَلَا كَاسْتِوَائِهِ اسْتِوَاءُ أَحَدٍ وَلَا كَسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ سَمْعُ أَحَدٍ وَلَا بَصَرُهُ وَلَا كَتَكْلِيمِهِ تَكْلِيمُ أَحَدٍ وَلَا كَتَجَلِّيهِ تَجَلِّي أَحَدٍ . وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ أَخْبَرَنَا أَنَّ فِي الْجَنَّةِ لَحْمًا وَلَبَنًا وَعَسَلًا وَمَاءً وَحَرِيرًا وَذَهَبًا . وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مِمَّا فِي الْآخِرَةِ إلَّا الْأَسْمَاءُ . فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْمَخْلُوقَاتُ الْغَائِبَةُ لَيْسَتْ مِثْلَ هَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ الْمُشَاهَدَةِ - مَعَ اتِّفَاقِهَا فِي الْأَسْمَاءِ - فَالْخَالِقُ أَعْظَمُ عُلُوًّا وَمُبَايَنَةً لِخَلْقِهِ مِنْ مُبَايَنَةِ الْمَخْلُوقِ لِلْمَخْلُوقِ وَإِنْ اتَّفَقَتْ الْأَسْمَاءُ . وَقَدْ سَمَّى نَفْسَهُ حَيًّا عَلِيمًا سَمِيعًا بَصِيرًا وَبَعْضُهَا رَءُوفًا رَحِيمًا ؛ وَلَيْسَ الْحَيُّ كَالْحَيِّ وَلَا الْعَلِيمُ كَالْعَلِيمِ وَلَا السَّمِيعُ كَالسَّمِيعِ وَلَا الْبَصِيرُ كَالْبَصِيرِ وَلَا الرَّءُوفُ كَالرَّءُوفِ وَلَا الرَّحِيمُ كَالرَّحِيمِ . وَقَالَ فِي سِيَاقِ حَدِيثِ الْجَارِيَةِ الْمَعْرُوفِ : { أَيْنَ اللَّهُ ؟ قَالَتْ : فِي السَّمَاءِ } لَكِنْ لَيْسَ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ فِي جَوْفِ السَّمَاءِ وَأَنَّ السَّمَوَاتِ تَحْصُرُهُ وَتَحْوِيهِ فَإِنَّ هَذَا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا ؛ بَلْ هُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ فَوْقَ سَمَوَاتِهِ عَلَى عَرْشِهِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ ؛ لَيْسَ فِي مَخْلُوقَاتِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَاتِهِ وَلَا فِي ذَاتِهِ شَيْءٌ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ . وَقَدْ قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ : إنَّ اللَّهَ فَوْقَ السَّمَاءِ وَعِلْمُهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ - إلَى أَنْ قَالَ - : فَمَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ فِي جَوْفِ السَّمَاءِ مَحْصُورٌ مُحَاطٌ بِهِ وَأَنَّهُ مُفْتَقِرٌ إلَى الْعَرْشِ أَوْ غَيْرِ الْعَرْشِ - مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ - أَوْ أَنَّ اسْتِوَاءَهُ عَلَى عَرْشِهِ كَاسْتِوَاءِ الْمَخْلُوقِ عَلَى كُرْسِيِّهِ : فَهُوَ ضَالٌّ مُبْتَدِعٌ جَاهِلٌ وَمَنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ لَيْسَ فَوْقَ السَّمَوَاتِ إلَهٌ يُعْبَدُ وَلَا عَلَى الْعَرْشِ رَبٌّ يُصَلَّى لَهُ وَيُسْجَدُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يُعْرَجْ بِهِ إلَى رَبِّهِ ؛ وَلَا نَزَلَ الْقُرْآنُ مِنْ عِنْدِهِ : فَهُوَ مُعَطِّلٌ فِرْعَوْنِيٌّ ضَالٌّ مُبْتَدِعٌ - وَقَالَ - بَعْدَ كَلَامٍ طَوِيلٍ - وَالْقَائِلُ الَّذِي قَالَ : مَنْ لَمْ يَعْتَقِدْ أَنَّ اللَّهَ فِي السَّمَاءِ فَهُوَ ضَالٌّ : إنْ أَرَادَ بِذَلِكَ مَنْ لَا يَعْتَقِدُ أَنَّ اللَّهَ فِي جَوْفِ السَّمَاءِ بِحَيْثُ تَحْصُرُهُ وَتُحِيطُ بِهِ : فَقَدْ أَخْطَأَ . وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ مَنْ لَمْ يَعْتَقِدْ مَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا مِنْ أَنَّ اللَّهَ فَوْقَ سَمَوَاتِهِ عَلَى عَرْشِهِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ : فَقَدْ أَصَابَ فَإِنَّهُ مَنْ لَمْ يَعْتَقِدْ ذَلِكَ يَكُونُ مُكَذِّبًا لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّبِعًا لِغَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ؛ بَلْ يَكُونُ فِي الْحَقِيقَةِ مُعَطِّلًا لِرَبِّهِ نَافِيًا لَهُ ؛ فَلَا يَكُونُ لَهُ فِي الْحَقِيقَةِ إلَهٌ يَعْبُدُهُ وَلَا رَبٌّ يَسْأَلُهُ وَيَقْصِدُهُ . وَهَذَا قَوْلُ الجهمية وَنَحْوِهِمْ مِنْ أَتْبَاعِ فِرْعَوْنَ الْمُعَطِّلِ . وَاَللَّهُ قَدْ فَطَرَ الْعِبَادَ - عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ - عَلَى أَنَّهُمْ إذَا دَعَوْا اللَّهَ تَوَجَّهَتْ قُلُوبُهُمْ إلَى الْعُلُوِّ وَلَا يَقْصِدُونَهُ تَحْتَ أَرْجُلِهِمْ . وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ : مَا قَالَ عَارِفٌ قَطُّ : يَا اللَّهُ إلَّا وَجَدَ فِي قَلْبِهِ - قَبْلَ أَنْ يَتَحَرَّكَ لِسَانُهُ - مَعْنًى يَطْلُبُ الْعُلُوَّ لَا يَلْتَفِتُ يَمْنَةً وَلَا يَسْرَةً . وَذَكَرَ مِنْ بَعْدِ كَلَامٍ طَوِيلٍ - الْحَدِيثَ : { كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ } . وَلِأَهْلِ الْحُلُولِ وَالتَّعْطِيلِ فِي هَذَا الْبَابِ شُبُهَاتٌ يُعَارِضُونَ بِهَا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَمَا أَجْمَعَ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا ؛ وَمَا فَطَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ عِبَادَهُ وَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الدَّلَائِلُ الْعَقْلِيَّةُ الصَّحِيحَةُ . فَإِنَّ هَذِهِ الْأَدِلَّةَ كُلَّهَا مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ فَوْقَ مَخْلُوقَاتِهِ عَالٍ عَلَيْهَا قَدْ فَطَرَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ الْعَجَائِزَ وَالصِّبْيَانَ وَالْأَعْرَابَ فِي الْكُتَّابِ ؛ كَمَا فَطَرَهُمْ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْخَالِقِ تَعَالَى . وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : { كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ ؛ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ كَمَا تُنْتِجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ ؟ } ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ : اقْرَءُوا إنْ شِئْتُمْ : { فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ } . وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ : عَلَيْك بِدِينِ الْأَعْرَابِ وَالصِّبْيَانِ فِي الْكُتَّابِ وَعَلَيْك بِمَا فَطَرَهُمْ اللَّهُ عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ فَطَرَ عِبَادَهُ عَلَى الْحَقِّ وَالرُّسُلُ بُعِثُوا بِتَكْمِيلِ الْفِطْرَةِ وَتَقْرِيرِهَا لَا بِتَحْوِيلِ الْفِطْرَةِ وَتَغْيِيرِهَا . وَأَمَّا أَعْدَاءُ الرُّسُلِ كالجهمية الْفِرْعَوْنِيَّةِ وَنَحْوِهِمْ : فَيُرِيدُونَ أَنْ يُغَيِّرُوا فِطْرَةَ اللَّهِ وَيُورِدُونَ عَلَى النَّاسِ شُبُهَاتٍ بِكَلِمَاتِ مُشْتَبِهَاتٍ لَا يَفْهَمُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ مَقْصُودَهُمْ بِهَا ؛ وَلَا يَحْسُنُ أَنْ يُجِيبَهُمْ . وَأَصْلُ ضَلَالَتِهِمْ تَكَلُّمُهُمْ بِكَلِمَاتِ مُجْمَلَةٍ ؛ لَا أَصْلَ لَهَا فِي كِتَابِهِ ؛ وَلَا سُنَّةِ رَسُولِهِ ؛ وَلَا قَالَهَا أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ كَلَفْظِ التَّحَيُّزِ وَالْجِسْمِ وَالْجِهَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . فَمَنْ كَانَ عَارِفًا بِحَلِّ شُبُهَاتِهِمْ بَيَّنَهَا وَمَنْ لَمْ يَكُنْ عَارِفًا بِذَلِكَ فَلْيُعْرِضْ عَنْ كَلَامِهِمْ وَلَا يَقْبَلْ إلَّا مَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ كَمَا قَالَ : { وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ } . وَمَنْ يَتَكَلَّمُ فِي اللَّهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ بِمَا يُخَالِفُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ فَهُوَ مِنْ الْخَائِضِينَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِالْبَاطِلِ . وَكَثِيرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ يَنْسُبُ إلَى أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ مَا لَمْ يَقُولُوهُ ؛ فَيَنْسِبُونَ إلَى الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ : مِنْ الِاعْتِقَادَاتِ مَا لَمْ يَقُولُوا . وَيَقُولُونَ لِمَنْ اتَّبَعَهُمْ : هَذَا اعْتِقَادُ الْإِمَامِ الْفُلَانِيِّ ؛ فَإِذَا طُولِبُوا بِالنَّقْلِ الصَّحِيحِ عَنْ الْأَئِمَّةِ تَبَيَّنَ كَذِبُهُمْ . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : حُكْمِي فِي أَهْلِ الْكَلَامِ : أَنْ يُضْرَبُوا بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ وَيُطَافَ بِهِمْ فِي الْقَبَائِلِ وَالْعَشَائِرِ وَيُقَالَ : هَذَا جَزَاءُ مَنْ تَرَكَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَأَقْبَلَ عَلَى الْكَلَامِ . قَالَ أَبُو يُوسُفَ الْقَاضِي : مَنْ طَلَبَ الدِّينِ بِالْكَلَامِ تَزَنْدَقَ . قَالَ أَحْمَد : مَا ارْتَدَى أَحَدٌ بِالْكَلَامِ فَأَفْلَحَ . قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : الْمُعَطِّلُ يَعْبُدُ عَدَمًا وَالْمُمَثِّلُ يَعْبُدُ صَنَمًا . الْمُعَطِّلُ أَعْمَى وَالْمُمَثِّلُ أَعْشَى ؛ وَدِينُ اللَّهِ بَيْنَ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا } وَالسُّنَّةُ فِي الْإِسْلَامِ كَالْإِسْلَامِ فِي الْمِلَلِ . انْتَهَى وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: (( وكذلك جعلناكم أمّة وسطاً )) والسنّة فِي الإسلام كالإسلام فِي الملل. انتهى والحمد لله ربّ العالمين.
[ مجموع الفتاوى (5/256-261) ]
مواضيع مماثلة
» ما هو الشيء الذي لم يره الله سبحانه وتعالى , ولم يسمع به ؟ يجيبك فقيه الزمان ابن عثيمين رحمه الله تعالى
» قال الله تعالى : { إن الله يدافع عن الذين آمنوا } - كلام نفيس لشيخ الإسلام ابن تيمية
» "دين الإسلام ليس دين مساواة" فائدة من كلام الشيخ ابن عثيمين-رحمه الله
» ما ميز الله به سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم
» ما ميز الله به سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم
» قال الله تعالى : { إن الله يدافع عن الذين آمنوا } - كلام نفيس لشيخ الإسلام ابن تيمية
» "دين الإسلام ليس دين مساواة" فائدة من كلام الشيخ ابن عثيمين-رحمه الله
» ما ميز الله به سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم
» ما ميز الله به سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى