قصص من الواقع
صفحة 1 من اصل 1
قصص من الواقع
rchid]29]
[/size]
لن ننساك ياشيخ علي
رحل الطنطاوي
النسخة الأخيرة.. من العالم الموسوعي
كأنه قبضة من أرض الشام، عُجنت بنهري النيل والفرات، لوحتها شمس صحراء العرب، فانطلقت بإذن ربها نفساً عزيزة أبية، تنافح عن الدعوة وتذود عن حياض الدين
ذلكم هو العلامة الكبير، الفقيه النجيب، والأديب الأريب الشيخ علي الطنطاوي الذي فقدته الأمة قبل فترة، لتنثلم بذلك ثلمة كبيرة، ضاعفت آلامنا وأدمت قلوبنا
**********
قصة بنان
بعد أكثر من سبعة عشر عاماً من التشرد والغربة مع زوجها." عصام العطار" أم أيمن بنان بنت الشيخ علي الطنطاوي
قتلت بخمس رصاصات : اثنتان في الرأس ، واثنتان في الصدر ، وواحدة تحت
الإبط..وكانت وحدها في البيت عندما اقتحمه المجرمون وقتلوها فيه، وكان
زوجها هدفا للاغتيال كذلك.
وقد صلي عليها بمدينة آخن، وشارك في تشيع الجنازة وفود من جميع الاتحادات
الاسلامية في أوروبا...
وقد انتقلت الى ألمانيا مع زوجها " عصام العطار" هربا من البطش في سوريا حيث كان هدفا
ينتظره الموت من قبل القوات الحكومية السورية 00 وهناك في ألمانيا كانا الزوجين يلاقيا
عذابين أو محنتين الأولى : الغربه والبعد عن الوطن والأهل
والثانية الخوف والرعب من المصير المحتوم 00
وقد تم إغتيا ل الشهيدة " بنان " بعد أن خرج زوجها من المنزل حين بلغه من أخبره بأن المجرمين يتربصون به فخرج الى مكان مجهول تاركا زوجته وأبنائه في المنزل ظنا منه أن لا خطر عليهما وعلى حين غرة اقتحم المجرمون شقة جارتها وأجبروها على أن تحدثها في الهاتف أنها قادمه لزيارتها حينها فتحت "بنان" الباب فهجم المتوحشون المنزل وأروها قتيلة رحمها الله رحمة واسعه وأسكنها فسيح جنانه 0
وقد انتقلت الى ألمانيا مع زوجها " عصام العطار" هربا من البطش في سوريا حيث كان هدفا
ينتظره الموت من قبل القوات الحكومية السورية 00 وهناك في ألمانيا كانا الزوجين يلاقيا
عذابين أو محنتين الأولى : الغربه والبعد عن الوطن والأهل
والثانية الخوف والرعب من المصير المحتوم 00
وقد تم إغتيا ل الشهيدة " بنان " بعد أن خرج زوجها من المنزل حين بلغه من أخبره بأن المجرمين يتربصون به فخرج الى مكان مجهول تاركا زوجته وأبنائه في المنزل ظنا منه أن لا خطر عليهما وعلى حين غرة اقتحم المجرمون شقة جارتها وأجبروها على أن تحدثها في الهاتف أنها قادمه لزيارتها حينها فتحت "بنان" الباب فهجم المتوحشون المنزل وأروها قتيلة رحمها الله رحمة واسعه وأسكنها فسيح جنانه 0
حكاية والدها عن الحادث وعن اليم ما عاناه وما يعانيه :
وكان الشيخ الجليل على الطنطاوي يحبها حباً جماً ، وبكاها الشيخ بكاء مراً اليما
عليها في التلفزيون بعد اغتيالها أمام ملايين المشاهدين الذين كانوا يتابعون
برنامجه الشهير المشوق(نور وهداية).
من كلماته الشهيره....ما سمعت بشاب من شبابنا استشهد في سبيل الله إلا
تصورت اني أمه وأنه ولدي ، واحسست لفقده بمثل احساس الأم الرؤوم لفقد ولدها
البار.
قال الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله:
ابنتي بنان رحمها الله, و هذه اول مرة اذكر فيها اسمها,اذكره و الدّمع يملأ
عيني,و الخفقان بعصف بقلبي, اذكره
اول مرة بلساني و ما غاب عن ذهني لحظة و لا صورتها عن جناني.
افتنكرون عليّ أن اجد في كل مأتم مأتمها و في كل خبر وفاة وفاتها؟
واذا كان كل شجى يثير شجاه لأخيه افلا يثير شجاي لبنتي؟
ان كل اب يحب اولاده و لكن ما رأيت لا والله ما رأيت من يحبّ بناته مثل حبي
بناتي.
ما صدقت الى الآن و قد مرّ على استشهادها اربع سنوات و نصف السنة و انا لا
اصدق بعقلي الباطن انها
ماتت,انني اغفل احيانا فاظنّ ان رنّ جرس الهاتف انّها ستعلمني على عادتها
بانّها بخير لأطمئنّ عليها.
تكلمني مستعجلة,ترصف الفاظها رصفا",مستعجلة دائما" كأنها تحسّ ان
الردى لن يبطئ عنها,و انّ هذا المجرم, هذا النذل..هذا..يا اسفي, فاللغة العربية على سعتها
تضيق باللفظ الذي يطلق على مثله.
ذلك لأنها لغة قوم لا يفقدون الشرف حتى عند الاجرام, ان في العربية كلمات
النّذالة و الخسّة و الدناءة,
وامثالها, و لكن هذه كلها لا تصل في الهبوط الى حيث نزل هذا الذي هدد الجارة
بالمسدس حتى طرقت عليها الباب لتطمئنّ فتفتح لها, ثم اقتحم عليها,على
امرأة وحيدة في دارها, فضربها ضرب الجبان,و الجبان اذا
ضرب اوجع, اطلق عليها خمس رصاصات تلقتها في صدرها و في وجهها .
ما هربت حتى تقع في ظهرها, كأنّ فيها بقية من اعراق اجدادها الذين كانوا
يقولون :
و لسنا على الاعقاب تدمى كلومنا0000000-و لكن على اقدامنا تقطر الدّما
ثم داس ال...لا ادري والله بم اصفه؟
ان قلت المجرم فمن المجرمين من فيه بقية من مروءة تمنعه من ان يدوس بقدميه
النجستين على
التي قتلها ظلما" ليتوثّق من موتها.
ربما كان في المجرم ذرة من انسانية تحجزه عن ان يخوض في هذه الدّماء
الطاهرة التي اراقها.
و لكنه فعل ذلك كما اوصاه من بعث به لاغتيالها, دعس عليها برجليه ليتأكد من
نجاح مهمته,قطع الله يديه و رجليه,لا,بل ادعه و ادع من بعث به لله,لعذابه,لانتقامه,و لعذاب
الاخرة اشدّ من كل عذاب يخطر على قلوب البشر.
لقد كلمتها قبل الحادث بساعة واحدة,قلت:
اين عصام؟
قالت:
خبروه بأنّ المجرمين يردون اغتياله و ابعدوه عن البيت,
قلت:
فكيق تبقين وحدك؟
قالت:
بابا لا تشغل بالك بي, انا بخير.
ثق والله يا بابا انني بخير.
ان الباب لا يفتح الاّ ان فتحته انا.
و لا افتح الاّ ان عرفت من الطّارق و سمعت صوته.
انّ هنا تجهيزات كهربائية تضمن لي السّلامة,
و المسلّم هو الله.
ما خطر على بالها انّ هذا الوحش, هذا الشيطان سيهدد جارتها بمسدسه حتى
تكلمها هي, فتطمئنّ,
فتفتح لها الباب.
و مرت الساعة فقرع جرس الهاتف, و سمعت من يقول لي:
كلّم وزارة الخارجية.
قلت:
نعم.
فكلمني رجل احسست انه يتلعثم و يتردد, كأنه كلّف بما تعجز عن الادلاء به
بلغاء الرجال, بان يخبرني..كيف يخبرني؟
و تردد و رأيته بعين خيالي كأنه يتلفت يطلب منجى من هذا الموقف الذي وقّفوه فيه
ثم قال:
ما عندك احد اكلمه؟
و كان عندي اخي, فقلت لأخي:
خذ اسمع ما يقول, و سمع ما يقول, و رأيت قد ارتاع مما سمع,و حار ماذا
يقول لي, و كأني
احسست انّ المخابرة من المانيا,و انّه سيلقي عليّ خبرا" لا يسرني,و كنت
اتوقع ان ينال عصاما" مكروه
فسألته:
هل اصاب عصاما شيء؟
قال:
لا, و لكن..قلت:
و لكن ماذا؟ عجّل يا عبدة فانك بهذا التردد كما يبتر اليد التي تقرر بترها
بالتدريج, قطعة بعد قطعة, فيكون
الالم مضاعفا" اضعافا" فقل و خلّصني مهما كان سوء الخبر.
قال:
بنان.
قلت:
ما لها؟
قال, و بسط يديه بسط اليائس الذي لم يبق في يده شيء.
و فهمت و احسست كأنّ سكّينا" قد غرس في قلبي, و لكني تجلدتّ , و
قلت هادئا" هدوءا" ظاهريا", والنار
تتضرم في صدري:
حدّثني بالتفصيل بكل ما سمعت.
فحدثني.
و ثقوا انني لا استطيع مهما اوتيت من طلاقة اللسان, و من نفاذ البيان,ان
اصف لكم ماذا فعل بي هذا الذي
سمعت.
و انتشر في الناس الخبر و لمست فيهم العطف و الحب و المواساة...
و وصلتني برقيات تواسيني و انها لمنة ممن بعث بها و ممن كتب يعجز لسان
الشكر عن وفاء حقها و لكني
سكت فلم اشكرها و لم اذكرها, لأن المصيبة عقلت لساني, و هدت اركاني.
و اضاعت عليّ سبيل الفكر,
فعذرا" و شكرا" لاصحاب البرقيات و الرسائل.....
كنت احسبني جلدا" صبورا", اثبت للأحداث , و اواجه المصائب ,
فرأيت اني لست في شيء من الجلادة و لا من الصبر و لا من الثبات...
صحيح انه:
و لا بدّ من شكوى الى ذي مروءة-----------يواسيك او يسليك او يتوجع
و لكن لا مواساة في الموت, و السلو مخدر اثره سريع الزوال. و التّوجع
يشكر و لكن لا ينفع شيئا".
و اغلقت عليّ بابي و كلما سألوا عني ابتغى اهلي المعاذير,يصرفونهم عن
المجيء, و مجيئهم فضل
منهم, و لكني لم اكن استطيع ان اتكلم في الموضوع.
لم ارد ان تكون مصيبتي مضغة الاهواء, و لا مجالا" لاظهار البيان, انها
مصيبتي وحدي فدعوني
اتجرعها وحدي على مهل.
ثم فتحت بابي, و جعلت اكلم من جاءني, جاءني كثير ممن اعرفه و يعرفني
و ممن يعرفني و لا
اعرفه.
و جعلت اتكلم في كل موضوع الا الموضوع الذي جاؤوا من اجله,استبقيت
احزاني لي, و حدثتهم
كل حديث حتى لقد اوردت نكتا و نوادر.
اتحسبون ذلك من شذوذ الادباء؟ ام من المخالفات التي يريد اصحابها ان يعرفوا بها؟
لا والله و لكن الامر ما قلت لكم.
كنت اضحك و اضحك القوم و قلبي و كل خلية في جسدي تبكي.
فما كل ضاحك مسرور:
لا تحسبوا ان رقصي بينكم طربا"---------------فالطير يرقص مذبوحا" من الالم
اني لأتصوّر الآن حياتها كلها مرحلة مرحلة, و يوما" يوما" تمر امامي
متعاقبة كأنها شريط اراه بعيني.
لقد ذكرت مولدها و كانت ثانية بناتي, و لقد كنت اتمنّى ان يكون يكري ذكرا"
و قد اعددت له احلى الاسماء
ما خطر على بالي ان يكون انثى.
و سميتها عنان و ولدت بعدها بسنتين بنان اللهم ارحمها و هذه اول مرة او الثانية
التي اقول فيها اللهم ارحمها
و اني لأرجوا الرحمة لها و لكني لا استطيع ان اتصور موتها.
و لما صار عمرها اربع سنوات و نصف السنة اصرت على ان تذهب الى
المدرسة مع اختها, فسعيت ان تقبل من غير تسجل رسميا".
فلما كان يوم الامتحان و وزعت علماتها المدرسية و قد كتب لها ظاهريا" لتسر
بها و لم تسجل عليها.
قلت هيه؟
ماذا حدث؟
فقفزت مبتهجة مسرورة و قالت بلهجتها السريعة الكلمات, المتلاحقة الالفاظ:
بابا كلها اصفار اصفار اصفار.
تحسب الاصفار هي خير ما ينال.
و ماذا يهم الان بعدما فارقت الدنيا أكانت اصفارا" ام كانت عشرات, و ماذا
ينفع المسافر الذي ودع بيته
الى غير عودة, و خلف متاعه و اثاثه, ماذا ينفع طراز فرش البيت و لونه وشكله
زوجها عصام العطار يرثيها في ديوان صغير باسم " رحيل " منها :
"بنان" ياجبهةَ الإسلام دامية××مازال جرحك في قلبي نزيفَ دمٍ
"بنان" ياصورة الإخلاص رائعةً ×× ويامنال الفِدى والنبل والكرم
عشنا شريدين عن أهلٍ وعن وطنٍ ×× ملاحماً من صراع النور والقيم
الكيد يرصدنا في كل منعطفٍ ×× والموت يرقبنا في كل مقتحم
والجرح في الصدر من أعدائنا نفذُ×× والجرح في الظهر من صدقاننا العدم
كتب خالد التوم في مجلة المجتمع عن الشهيدة :
0000لقد عانت الأخت المجاهدة بنان كثيراً من زوار الفجر الذين طالما طرقوا دارها وانتزعوا زوجها ليلقوه في غياهب السجون، ظانين أنهم بذلك سيطفئون في قلبه شعلة الإيمان، ويخفون في أعماقه حبه للدعوة والجهاد.
وما أحوج الزوج المؤمن في هذه اللحظات الحرجة إلى زوجة قوية الإرادة تمده بالصبر والثبات، وكانت له "بنان" بحق خير معين في محنته..
قصة بنان ابنة الشيخ علي الطنطاوي رحمهما الله
أختي المسلمة .. إليك أكتب هذه السطور من صفحات مشرقة.. علّها تلامس خلجات قلبك المحب للإسلام.. فتحرك فيه ساكناً، وتوقظك من طول الرقاد.
أكتبها بعد مرور سبعة عشر عاماً على استشهاد صاحبتها في 17- 3- 1981م.. ولا عيب فالمواقف الجليلة لا يُذهب بريق لمعانها تراكم السنين، بل تظل كالذهب الأصيل لا يفقده تراكم الغبار أصالته وبريقه.
إنها حكاية واقعية بطلتها امرأة كانت تأكل الطعام.. ولها من الهموم والرغبات ما لك.. لكنها بقوة إيمانها انتصرت على الرغبات الدنيوية الدنيئة، وسارت بخطى حثيثة ثابتة في طريق الدعوة الشائك، وعبرته بكل صبر ويقين حتى فازت بالشهادة ـ نحسب ذلك ـ والله حسيبها وكفيلها.
وحُقّ في مثلها أن يُقال:
فلو كان النساء كمن فقدنا
لفضِّلت النساء على الرجال
فما التأنيث لاسم الشمس عيبٌ
ولا التذكير فخرٌ للهلال
بطلة قصتنا الأخت الفاضلة بنان الطنطاوي (رحمها الله) ابنة الشيخ الفاضل علي الطنطاوي "أمد الله في عمره".. وزوجة المجاهد المحتسب الأستاذ عصام العطار، الذي أُخرج من بلده مهاجراً بدينه وعقيدته ليستقر في ألمانيا ويواصل مسيرة الكفاح عبر مجلة "الرائد".
في هذين البيتين الطيبين "بيت العلم والجهاد" نشأت بنان وترعرعت.. ففي بيت والدها العالم الورع الشيخ علي الطنطاوي رضعت لبان العلم والتقوى وفطمت برحيق الإيمان.. وفي بيت زوجها عصام تحلت بُحلى الجهاد.. وذاقت طعم التضحية والاستشهاد.. فأكرم بها من نعمة حباها بها الله فضلاً وتكرماً.
لقد عانت الأخت المجاهدة بنان كثيراً من زوار الفجر الذين طالما طرقوا دارها وانتزعوا زوجها ليلقوه في غياهب السجون، ظانين أنهم بذلك سيطفئون في قلبه شعلة الإيمان، ويخفون في أعماقه حبه للدعوة والجهاد.
وما أحوج الزوج المؤمن في هذه اللحظات الحرجة إلى زوجة قوية الإرادة تمده بالصبر والثبات، وكانت له "بنان" بحق خير معين في محنته.. فاستمعي إليها ـ أختي ـ وهي تكتب له في سجنه عام 1966م:
"لا تفكر فيَّ وفي أولادك وأهلك، ولكن فكر كما عودتنا دائماً بإخوانك ودعوتك وواجبك".
وحينما ضُيِّق عليه الخناق وأُجبر على فراق الأهل والديار والزوجة والأولاد، واصلت الزوجة مواقفها العظيمة وراسلته تحثه على الثبات وعدم الخضوع:
"نحن لا نحتاج منك لأي شيء خاص بنا، ولا نطالبك إلا بالموقف السليم الكريم الذي يرضي الله عز وجل، وبمتابعة جهادك الخالص في سبيل الله حيثما كنت وعلى أي حال كنت، والله معك (يا عصام) وما يكتبه الله لنا هو الخير".
وحينما أصيب زوجها بالشلل في بروكسل كتبت تواسيه:
"لا تحزن يا عصام.. إنك إن عجزت عن السير سرت بأقدامنا.. وإن عجزت عن الكتابة كتبت بأيدينا.. تابع طريقك الإسلامي المستقل المميز الذي شكلته وآمنت به، فنحن معك على الدوام، نأكل معك ـ وإن اضطررنا ـ الخبز اليابس، وننام معك تحت خيمة من الخيام".
فأي قوة هذه التي تحيل المحنة إلى منحة، وتنسج من خيوط الألم واليأس بردة زاهية من الأمل المشرق.
ولم ترض الزوجة المجاهدة بالبقاء وسط الأهل وزوجها مطارد في دينه وإيمانه، ولم تطب نفسها أن تتركه وحيداً رهين "الغربة والشلل"، فلحقت به مهاجرة إلى ألمانيا، وهنالك واصلت نشاطها، وهنالك أنشأت مركزاً نسائياً للمسلمات، وقد أكرمها الله فتاب على يديها الكثيرات.
حين نتحدث عن الأخت بنان قد نتساءل: كيف تسنى لهذه المرأة أن تكون بهذه الصفات في وقت ظلت فيه بنات جيلها أسيرات الكريم والمساحيق، وبيوت الأزياء والكوافير؟ ولكن قد يزول عجبنا حينما نعلم أن الزوج هو عصام العطار، الذي تعلمت منه بنان معاني الصبر والتضحية، فاسمعيه وهو يقول:
"طريق الحق والواجب ليس مفروشاً بالسجاد الأحمر والأمن والملذات، فلابد أن نمشي على الأشواك والمخاوف والآلام، وأن تدمى عليه نفسك وقدماك، وربما فقدت فيه الحياة، ولكن تذكر أن نهايته الجنة ورضوان من الله أكبر، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور".
وهنالك في بيتها في ألمانيا.. والزوج غائب.. جاء ثلاثة من أعوان الطغاة ليضعوا نهاية لقصة كُلها كفاح وجهاد، جاءوا يلاحقون الزوج فلم يجدوا إلا الزوجة المؤمنة تحرس البيت فأفرغوا في صدرها ونحرها خمس رصاصات، أسقطتهم في حمأة الخسَّة والغدر، وعلت بـ"بنان" شهيدة في الجنان ـ إن شاء الله ـ وكان ذلك في 17- 3- 1981م.
وما كان لبنان أن تموت في فراشها، وما كان لهذه الروح المحلِّقة في سماء المجد أن تموت في السفح كالأخريات:
ما كان مثلك أن يموت مدثراً
بين السرير مذهَّـب العيدان
فلك الله أيها الزوج الصابر الممتحن، ولك الجنة والنعيم ـ بإذن الله ـ أيتها الزوجة المضحية الوفية.
وَلَكُـنَّ أخواتي المسلمات في مشارق الأرض ومغاربها في قصة "بنان" أروع المثل
رحل الطنطاوي
النسخة الأخيرة.. من العالم الموسوعي
كأنه قبضة من أرض الشام، عُجنت بنهري النيل والفرات، لوحتها شمس صحراء العرب، فانطلقت بإذن ربها نفساً عزيزة أبية، تنافح عن الدعوة وتذود عن حياض الدين
ذلكم هو العلامة الكبير، الفقيه النجيب، والأديب الأريب الشيخ علي الطنطاوي الذي فقدته الأمة قبل فترة، لتنثلم بذلك ثلمة كبيرة، ضاعفت آلامنا وأدمت قلوبنا
**********
قصة بنان
بعد أكثر من سبعة عشر عاماً من التشرد والغربة مع زوجها." عصام العطار" أم أيمن بنان بنت الشيخ علي الطنطاوي
قتلت بخمس رصاصات : اثنتان في الرأس ، واثنتان في الصدر ، وواحدة تحت
الإبط..وكانت وحدها في البيت عندما اقتحمه المجرمون وقتلوها فيه، وكان
زوجها هدفا للاغتيال كذلك.
وقد صلي عليها بمدينة آخن، وشارك في تشيع الجنازة وفود من جميع الاتحادات
الاسلامية في أوروبا...
وقد انتقلت الى ألمانيا مع زوجها " عصام العطار" هربا من البطش في سوريا حيث كان هدفا
ينتظره الموت من قبل القوات الحكومية السورية 00 وهناك في ألمانيا كانا الزوجين يلاقيا
عذابين أو محنتين الأولى : الغربه والبعد عن الوطن والأهل
والثانية الخوف والرعب من المصير المحتوم 00
وقد تم إغتيا ل الشهيدة " بنان " بعد أن خرج زوجها من المنزل حين بلغه من أخبره بأن المجرمين يتربصون به فخرج الى مكان مجهول تاركا زوجته وأبنائه في المنزل ظنا منه أن لا خطر عليهما وعلى حين غرة اقتحم المجرمون شقة جارتها وأجبروها على أن تحدثها في الهاتف أنها قادمه لزيارتها حينها فتحت "بنان" الباب فهجم المتوحشون المنزل وأروها قتيلة رحمها الله رحمة واسعه وأسكنها فسيح جنانه 0
وقد انتقلت الى ألمانيا مع زوجها " عصام العطار" هربا من البطش في سوريا حيث كان هدفا
ينتظره الموت من قبل القوات الحكومية السورية 00 وهناك في ألمانيا كانا الزوجين يلاقيا
عذابين أو محنتين الأولى : الغربه والبعد عن الوطن والأهل
والثانية الخوف والرعب من المصير المحتوم 00
وقد تم إغتيا ل الشهيدة " بنان " بعد أن خرج زوجها من المنزل حين بلغه من أخبره بأن المجرمين يتربصون به فخرج الى مكان مجهول تاركا زوجته وأبنائه في المنزل ظنا منه أن لا خطر عليهما وعلى حين غرة اقتحم المجرمون شقة جارتها وأجبروها على أن تحدثها في الهاتف أنها قادمه لزيارتها حينها فتحت "بنان" الباب فهجم المتوحشون المنزل وأروها قتيلة رحمها الله رحمة واسعه وأسكنها فسيح جنانه 0
حكاية والدها عن الحادث وعن اليم ما عاناه وما يعانيه :
وكان الشيخ الجليل على الطنطاوي يحبها حباً جماً ، وبكاها الشيخ بكاء مراً اليما
عليها في التلفزيون بعد اغتيالها أمام ملايين المشاهدين الذين كانوا يتابعون
برنامجه الشهير المشوق(نور وهداية).
من كلماته الشهيره....ما سمعت بشاب من شبابنا استشهد في سبيل الله إلا
تصورت اني أمه وأنه ولدي ، واحسست لفقده بمثل احساس الأم الرؤوم لفقد ولدها
البار.
قال الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله:
ابنتي بنان رحمها الله, و هذه اول مرة اذكر فيها اسمها,اذكره و الدّمع يملأ
عيني,و الخفقان بعصف بقلبي, اذكره
اول مرة بلساني و ما غاب عن ذهني لحظة و لا صورتها عن جناني.
افتنكرون عليّ أن اجد في كل مأتم مأتمها و في كل خبر وفاة وفاتها؟
واذا كان كل شجى يثير شجاه لأخيه افلا يثير شجاي لبنتي؟
ان كل اب يحب اولاده و لكن ما رأيت لا والله ما رأيت من يحبّ بناته مثل حبي
بناتي.
ما صدقت الى الآن و قد مرّ على استشهادها اربع سنوات و نصف السنة و انا لا
اصدق بعقلي الباطن انها
ماتت,انني اغفل احيانا فاظنّ ان رنّ جرس الهاتف انّها ستعلمني على عادتها
بانّها بخير لأطمئنّ عليها.
تكلمني مستعجلة,ترصف الفاظها رصفا",مستعجلة دائما" كأنها تحسّ ان
الردى لن يبطئ عنها,و انّ هذا المجرم, هذا النذل..هذا..يا اسفي, فاللغة العربية على سعتها
تضيق باللفظ الذي يطلق على مثله.
ذلك لأنها لغة قوم لا يفقدون الشرف حتى عند الاجرام, ان في العربية كلمات
النّذالة و الخسّة و الدناءة,
وامثالها, و لكن هذه كلها لا تصل في الهبوط الى حيث نزل هذا الذي هدد الجارة
بالمسدس حتى طرقت عليها الباب لتطمئنّ فتفتح لها, ثم اقتحم عليها,على
امرأة وحيدة في دارها, فضربها ضرب الجبان,و الجبان اذا
ضرب اوجع, اطلق عليها خمس رصاصات تلقتها في صدرها و في وجهها .
ما هربت حتى تقع في ظهرها, كأنّ فيها بقية من اعراق اجدادها الذين كانوا
يقولون :
و لسنا على الاعقاب تدمى كلومنا0000000-و لكن على اقدامنا تقطر الدّما
ثم داس ال...لا ادري والله بم اصفه؟
ان قلت المجرم فمن المجرمين من فيه بقية من مروءة تمنعه من ان يدوس بقدميه
النجستين على
التي قتلها ظلما" ليتوثّق من موتها.
ربما كان في المجرم ذرة من انسانية تحجزه عن ان يخوض في هذه الدّماء
الطاهرة التي اراقها.
و لكنه فعل ذلك كما اوصاه من بعث به لاغتيالها, دعس عليها برجليه ليتأكد من
نجاح مهمته,قطع الله يديه و رجليه,لا,بل ادعه و ادع من بعث به لله,لعذابه,لانتقامه,و لعذاب
الاخرة اشدّ من كل عذاب يخطر على قلوب البشر.
لقد كلمتها قبل الحادث بساعة واحدة,قلت:
اين عصام؟
قالت:
خبروه بأنّ المجرمين يردون اغتياله و ابعدوه عن البيت,
قلت:
فكيق تبقين وحدك؟
قالت:
بابا لا تشغل بالك بي, انا بخير.
ثق والله يا بابا انني بخير.
ان الباب لا يفتح الاّ ان فتحته انا.
و لا افتح الاّ ان عرفت من الطّارق و سمعت صوته.
انّ هنا تجهيزات كهربائية تضمن لي السّلامة,
و المسلّم هو الله.
ما خطر على بالها انّ هذا الوحش, هذا الشيطان سيهدد جارتها بمسدسه حتى
تكلمها هي, فتطمئنّ,
فتفتح لها الباب.
و مرت الساعة فقرع جرس الهاتف, و سمعت من يقول لي:
كلّم وزارة الخارجية.
قلت:
نعم.
فكلمني رجل احسست انه يتلعثم و يتردد, كأنه كلّف بما تعجز عن الادلاء به
بلغاء الرجال, بان يخبرني..كيف يخبرني؟
و تردد و رأيته بعين خيالي كأنه يتلفت يطلب منجى من هذا الموقف الذي وقّفوه فيه
ثم قال:
ما عندك احد اكلمه؟
و كان عندي اخي, فقلت لأخي:
خذ اسمع ما يقول, و سمع ما يقول, و رأيت قد ارتاع مما سمع,و حار ماذا
يقول لي, و كأني
احسست انّ المخابرة من المانيا,و انّه سيلقي عليّ خبرا" لا يسرني,و كنت
اتوقع ان ينال عصاما" مكروه
فسألته:
هل اصاب عصاما شيء؟
قال:
لا, و لكن..قلت:
و لكن ماذا؟ عجّل يا عبدة فانك بهذا التردد كما يبتر اليد التي تقرر بترها
بالتدريج, قطعة بعد قطعة, فيكون
الالم مضاعفا" اضعافا" فقل و خلّصني مهما كان سوء الخبر.
قال:
بنان.
قلت:
ما لها؟
قال, و بسط يديه بسط اليائس الذي لم يبق في يده شيء.
و فهمت و احسست كأنّ سكّينا" قد غرس في قلبي, و لكني تجلدتّ , و
قلت هادئا" هدوءا" ظاهريا", والنار
تتضرم في صدري:
حدّثني بالتفصيل بكل ما سمعت.
فحدثني.
و ثقوا انني لا استطيع مهما اوتيت من طلاقة اللسان, و من نفاذ البيان,ان
اصف لكم ماذا فعل بي هذا الذي
سمعت.
و انتشر في الناس الخبر و لمست فيهم العطف و الحب و المواساة...
و وصلتني برقيات تواسيني و انها لمنة ممن بعث بها و ممن كتب يعجز لسان
الشكر عن وفاء حقها و لكني
سكت فلم اشكرها و لم اذكرها, لأن المصيبة عقلت لساني, و هدت اركاني.
و اضاعت عليّ سبيل الفكر,
فعذرا" و شكرا" لاصحاب البرقيات و الرسائل.....
كنت احسبني جلدا" صبورا", اثبت للأحداث , و اواجه المصائب ,
فرأيت اني لست في شيء من الجلادة و لا من الصبر و لا من الثبات...
صحيح انه:
و لا بدّ من شكوى الى ذي مروءة-----------يواسيك او يسليك او يتوجع
و لكن لا مواساة في الموت, و السلو مخدر اثره سريع الزوال. و التّوجع
يشكر و لكن لا ينفع شيئا".
و اغلقت عليّ بابي و كلما سألوا عني ابتغى اهلي المعاذير,يصرفونهم عن
المجيء, و مجيئهم فضل
منهم, و لكني لم اكن استطيع ان اتكلم في الموضوع.
لم ارد ان تكون مصيبتي مضغة الاهواء, و لا مجالا" لاظهار البيان, انها
مصيبتي وحدي فدعوني
اتجرعها وحدي على مهل.
ثم فتحت بابي, و جعلت اكلم من جاءني, جاءني كثير ممن اعرفه و يعرفني
و ممن يعرفني و لا
اعرفه.
و جعلت اتكلم في كل موضوع الا الموضوع الذي جاؤوا من اجله,استبقيت
احزاني لي, و حدثتهم
كل حديث حتى لقد اوردت نكتا و نوادر.
اتحسبون ذلك من شذوذ الادباء؟ ام من المخالفات التي يريد اصحابها ان يعرفوا بها؟
لا والله و لكن الامر ما قلت لكم.
كنت اضحك و اضحك القوم و قلبي و كل خلية في جسدي تبكي.
فما كل ضاحك مسرور:
لا تحسبوا ان رقصي بينكم طربا"---------------فالطير يرقص مذبوحا" من الالم
اني لأتصوّر الآن حياتها كلها مرحلة مرحلة, و يوما" يوما" تمر امامي
متعاقبة كأنها شريط اراه بعيني.
لقد ذكرت مولدها و كانت ثانية بناتي, و لقد كنت اتمنّى ان يكون يكري ذكرا"
و قد اعددت له احلى الاسماء
ما خطر على بالي ان يكون انثى.
و سميتها عنان و ولدت بعدها بسنتين بنان اللهم ارحمها و هذه اول مرة او الثانية
التي اقول فيها اللهم ارحمها
و اني لأرجوا الرحمة لها و لكني لا استطيع ان اتصور موتها.
و لما صار عمرها اربع سنوات و نصف السنة اصرت على ان تذهب الى
المدرسة مع اختها, فسعيت ان تقبل من غير تسجل رسميا".
فلما كان يوم الامتحان و وزعت علماتها المدرسية و قد كتب لها ظاهريا" لتسر
بها و لم تسجل عليها.
قلت هيه؟
ماذا حدث؟
فقفزت مبتهجة مسرورة و قالت بلهجتها السريعة الكلمات, المتلاحقة الالفاظ:
بابا كلها اصفار اصفار اصفار.
تحسب الاصفار هي خير ما ينال.
و ماذا يهم الان بعدما فارقت الدنيا أكانت اصفارا" ام كانت عشرات, و ماذا
ينفع المسافر الذي ودع بيته
الى غير عودة, و خلف متاعه و اثاثه, ماذا ينفع طراز فرش البيت و لونه وشكله
زوجها عصام العطار يرثيها في ديوان صغير باسم " رحيل " منها :
"بنان" ياجبهةَ الإسلام دامية××مازال جرحك في قلبي نزيفَ دمٍ
"بنان" ياصورة الإخلاص رائعةً ×× ويامنال الفِدى والنبل والكرم
عشنا شريدين عن أهلٍ وعن وطنٍ ×× ملاحماً من صراع النور والقيم
الكيد يرصدنا في كل منعطفٍ ×× والموت يرقبنا في كل مقتحم
والجرح في الصدر من أعدائنا نفذُ×× والجرح في الظهر من صدقاننا العدم
كتب خالد التوم في مجلة المجتمع عن الشهيدة :
0000لقد عانت الأخت المجاهدة بنان كثيراً من زوار الفجر الذين طالما طرقوا دارها وانتزعوا زوجها ليلقوه في غياهب السجون، ظانين أنهم بذلك سيطفئون في قلبه شعلة الإيمان، ويخفون في أعماقه حبه للدعوة والجهاد.
وما أحوج الزوج المؤمن في هذه اللحظات الحرجة إلى زوجة قوية الإرادة تمده بالصبر والثبات، وكانت له "بنان" بحق خير معين في محنته..
قصة بنان ابنة الشيخ علي الطنطاوي رحمهما الله
أختي المسلمة .. إليك أكتب هذه السطور من صفحات مشرقة.. علّها تلامس خلجات قلبك المحب للإسلام.. فتحرك فيه ساكناً، وتوقظك من طول الرقاد.
أكتبها بعد مرور سبعة عشر عاماً على استشهاد صاحبتها في 17- 3- 1981م.. ولا عيب فالمواقف الجليلة لا يُذهب بريق لمعانها تراكم السنين، بل تظل كالذهب الأصيل لا يفقده تراكم الغبار أصالته وبريقه.
إنها حكاية واقعية بطلتها امرأة كانت تأكل الطعام.. ولها من الهموم والرغبات ما لك.. لكنها بقوة إيمانها انتصرت على الرغبات الدنيوية الدنيئة، وسارت بخطى حثيثة ثابتة في طريق الدعوة الشائك، وعبرته بكل صبر ويقين حتى فازت بالشهادة ـ نحسب ذلك ـ والله حسيبها وكفيلها.
وحُقّ في مثلها أن يُقال:
فلو كان النساء كمن فقدنا
لفضِّلت النساء على الرجال
فما التأنيث لاسم الشمس عيبٌ
ولا التذكير فخرٌ للهلال
بطلة قصتنا الأخت الفاضلة بنان الطنطاوي (رحمها الله) ابنة الشيخ الفاضل علي الطنطاوي "أمد الله في عمره".. وزوجة المجاهد المحتسب الأستاذ عصام العطار، الذي أُخرج من بلده مهاجراً بدينه وعقيدته ليستقر في ألمانيا ويواصل مسيرة الكفاح عبر مجلة "الرائد".
في هذين البيتين الطيبين "بيت العلم والجهاد" نشأت بنان وترعرعت.. ففي بيت والدها العالم الورع الشيخ علي الطنطاوي رضعت لبان العلم والتقوى وفطمت برحيق الإيمان.. وفي بيت زوجها عصام تحلت بُحلى الجهاد.. وذاقت طعم التضحية والاستشهاد.. فأكرم بها من نعمة حباها بها الله فضلاً وتكرماً.
لقد عانت الأخت المجاهدة بنان كثيراً من زوار الفجر الذين طالما طرقوا دارها وانتزعوا زوجها ليلقوه في غياهب السجون، ظانين أنهم بذلك سيطفئون في قلبه شعلة الإيمان، ويخفون في أعماقه حبه للدعوة والجهاد.
وما أحوج الزوج المؤمن في هذه اللحظات الحرجة إلى زوجة قوية الإرادة تمده بالصبر والثبات، وكانت له "بنان" بحق خير معين في محنته.. فاستمعي إليها ـ أختي ـ وهي تكتب له في سجنه عام 1966م:
"لا تفكر فيَّ وفي أولادك وأهلك، ولكن فكر كما عودتنا دائماً بإخوانك ودعوتك وواجبك".
وحينما ضُيِّق عليه الخناق وأُجبر على فراق الأهل والديار والزوجة والأولاد، واصلت الزوجة مواقفها العظيمة وراسلته تحثه على الثبات وعدم الخضوع:
"نحن لا نحتاج منك لأي شيء خاص بنا، ولا نطالبك إلا بالموقف السليم الكريم الذي يرضي الله عز وجل، وبمتابعة جهادك الخالص في سبيل الله حيثما كنت وعلى أي حال كنت، والله معك (يا عصام) وما يكتبه الله لنا هو الخير".
وحينما أصيب زوجها بالشلل في بروكسل كتبت تواسيه:
"لا تحزن يا عصام.. إنك إن عجزت عن السير سرت بأقدامنا.. وإن عجزت عن الكتابة كتبت بأيدينا.. تابع طريقك الإسلامي المستقل المميز الذي شكلته وآمنت به، فنحن معك على الدوام، نأكل معك ـ وإن اضطررنا ـ الخبز اليابس، وننام معك تحت خيمة من الخيام".
فأي قوة هذه التي تحيل المحنة إلى منحة، وتنسج من خيوط الألم واليأس بردة زاهية من الأمل المشرق.
ولم ترض الزوجة المجاهدة بالبقاء وسط الأهل وزوجها مطارد في دينه وإيمانه، ولم تطب نفسها أن تتركه وحيداً رهين "الغربة والشلل"، فلحقت به مهاجرة إلى ألمانيا، وهنالك واصلت نشاطها، وهنالك أنشأت مركزاً نسائياً للمسلمات، وقد أكرمها الله فتاب على يديها الكثيرات.
حين نتحدث عن الأخت بنان قد نتساءل: كيف تسنى لهذه المرأة أن تكون بهذه الصفات في وقت ظلت فيه بنات جيلها أسيرات الكريم والمساحيق، وبيوت الأزياء والكوافير؟ ولكن قد يزول عجبنا حينما نعلم أن الزوج هو عصام العطار، الذي تعلمت منه بنان معاني الصبر والتضحية، فاسمعيه وهو يقول:
"طريق الحق والواجب ليس مفروشاً بالسجاد الأحمر والأمن والملذات، فلابد أن نمشي على الأشواك والمخاوف والآلام، وأن تدمى عليه نفسك وقدماك، وربما فقدت فيه الحياة، ولكن تذكر أن نهايته الجنة ورضوان من الله أكبر، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور".
وهنالك في بيتها في ألمانيا.. والزوج غائب.. جاء ثلاثة من أعوان الطغاة ليضعوا نهاية لقصة كُلها كفاح وجهاد، جاءوا يلاحقون الزوج فلم يجدوا إلا الزوجة المؤمنة تحرس البيت فأفرغوا في صدرها ونحرها خمس رصاصات، أسقطتهم في حمأة الخسَّة والغدر، وعلت بـ"بنان" شهيدة في الجنان ـ إن شاء الله ـ وكان ذلك في 17- 3- 1981م.
وما كان لبنان أن تموت في فراشها، وما كان لهذه الروح المحلِّقة في سماء المجد أن تموت في السفح كالأخريات:
ما كان مثلك أن يموت مدثراً
بين السرير مذهَّـب العيدان
فلك الله أيها الزوج الصابر الممتحن، ولك الجنة والنعيم ـ بإذن الله ـ أيتها الزوجة المضحية الوفية.
وَلَكُـنَّ أخواتي المسلمات في مشارق الأرض ومغاربها في قصة "بنان" أروع المثل
القعقاع- شخصية مميـزة
- الاوسمه :
عدد المساهمات : 991
نقاط : 6324
السٌّمعَة : 7
تاريخ التسجيل : 31/03/2011
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى