الامانه
صفحة 1 من اصل 1
الامانه
( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً*وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِب )
قا ل ابن جرير الطبرى : كنت في مكة في موسم الحج فرأيت رجلا من
خرسان ينادي ويقول : يا معشر الحجاج ، يا أهل مكة من الحاضر والبادي
، فقدت كيسا فيه ألف دينار ، فمن رده إلى جزاه الله خيرا وأعتقه من النار
، وله الأجر والثواب يوم الحساب .
فقام إليه شيخ كبير من أهل مكة فقال له : يا خرساني بلدنا حالتها شديدة ،
وأيام الحج معدودة ، ومواسمه محدودة ، وأبواب الكسب مسدودة ، فلعل
هذا المال يقع في يد مؤمن فقير وشيخ كبير ، يطمع في عهد عليك ، لو رد
المال إليك ، تمنحه شيئا يسيرا ، ومالا حلالا .
قال الخرساني : فما مقدار حلوانه ؟
كم يريد ؟
قال الشيخ الكبير : يريد العُشر( مائة دينار) عشر الألف .
فلم يرض الخرسانى وقال : لا أفعل ولكنى أفوض أمره إلى الله ، وأشكوه
إليه يوم نلقاه ، وهو حسبنا ونعم الوكيل .
قال ابن جرير الطبرى: فوقع في نفسي أن الشيخ الكبير رجل فقير ، وقد وجد
كيس الدنانير ويطمع في جزء يسير ، فتبعته حتى عاد إلى منزله ، فكان
كما ظننت ، سمعته ينادى على امرأته ويقول : يا لبابة .
فقالت له : لبيك أبا غياث .
قال : وجدت صاحب الدنانير ينادي عليه ، ولا يريد أن يجعل لواجده شيئا ،
فقلت له : أعطنا منه مائة دينار ، فأبى وفوض أمره إلى الله ،
ماذا أفعل يا لبابة ؟
لا بد لى من رده ، إنى أخاف ربى ، أخاف أن يضاعف ذنبي .
فقالت له زوجته : يا رجل نحن نقاسي الفقر معك منذ خمسين سنة ، ولك
أربع بنات وأختان وأنا وأمي ، وأنت تاسعنا ، لا شاة لنا ولا مرعى ، خذ المال كله
، أشبعنا منه فإننا جوعي , واكسنا به فأنت بحالنا أوعى ،
ولعل الله عز وجل يغنيك بعد ذلك ، فتعطيه المال بعد إطعامك لعيالك ،
أو يقضي الله دينك يوم يكون الملك للمالك .
فقال لها يا لبابة : أآكل حراما بعد ست وثمانين عاما بلغها عمري ،
وأحرق أحشائي بالنار بعد أن صبرت على فقرى ،
وأستوجب غضب الجبار، وأنا قريب من قبرى ، لا والله لا أفعل .
قال ابن جرير الطبري : فانصرفت وأنا في عجب من أمره هو وزوجته ،
فلما أصبحنا في ساعة من ساعات من النهار، سمعت صاحب الدنانير
ينادى ...
يقول : يا أهل مكة ، يا معاشر الحجاج ، يا وفد الله من الحاضر والبادي ،
من وجد كيسا فيه ألف دينار، فليرده إلى وله الأجر والثواب عند الله .
فقام إليه الشيخ الكبير ، وقال : يا خرساني قد قلت لك بالأمس ونصحتك ،
وبلدنا والله قليلة الزرع والضرع ، فجد على من وجد المال بشئ حتى لا
يخالف الشرع ، وقد قلت لك أن تدفع لمن وجده مائة دينار فأبيت ، فإن وقع
مالك في يد رجل يخاف الله عز وجل ، فهلا أعطيتهم عشرة دنانير فقط بدلا
من مائة ، يكون لهم فها ستر وصيانة ، وكفاف وأمانة .
فقال له الخرساني : لا أفعل ، وأحتسب مالي عند الله ، وأشكوه إليه يوم
نلقاه ، وهو حسبنا ونعم الوكيل .
قال ابن جرير الطبري : ثم افترق الناس وذهبوا ، فلما أصبحنا في ساعة من
ساعات من النهار ، سمعت صاحب الدنانير ينادي ذلك النداء بعينه ويقول :
يا معاشر الحجاج ، يا وفد الله من الحاضر والبادي ، من وجد كيسا فيه ألف
دينار فرده على له الأجر والثواب عند الله .
فقام إليه الشيخ الكبير فقال له : يا خرساني ، قلت لك أول أمس امنح من وجده مائة دينار فأبيت ، ثم عشرة فأبيت ،
فهلا منحت من وجده دينارا واحدا ، يشتري بنصفه إربة يطلبها ،
وبالنصف الأخر شاة يحلبها ، فيسقى الناس ويكتسب ،
ويطعم أولاده ويحتسب .
قال الخرسانى : لا أفعل ولكن أحيله على الله وأشكوه لربه يوم نلقاه ،
وحسبنا الله ونعم الوكيل .
فجذبه الشيخ الكبير ، وقال له : تعال يا هذا وخذ دنانيرك ودعني أنام الليل
، فلم يهنأ لي بال منذ أن وجدت هذا المال .
يقول ابن جرير : فذهب مع صاحب الدنانير ، وتبعتهما ، حتى دخل الشيخ
منزله ، فنبش الأرض وأخرج الدنانير وقال : خذ مالك ، وأسأل الله أن
يعفوي عنى ، ويرزقني من فضله .
فأخذها الخرسانى وأراد الخروج ، فلما بلغ باب الدار ،
قال : يا شيخ
مات أبي رحمه الله وترك لى ثلاثة آلاف دينار ،
وقال لي : أخرج ثلثها ففرقه على أحق الناس عندك ، فربطتها في هذا الكيس حتى أنفقه على من
يستحق ، والله ما رأيت منذ خرجت من خرسان إلى ههنا رجلا أولى بها
منك ، فخذه بارك الله لك فيه ، وجزاك خيرا على أمانتك ، وصبرك على
فقرك ، ثم ذهب وترك المال .
فقام الشيخ الكبير يبكى ويدعو الله ويقول : رحم الله صاحب المال في قبره ،
وبارك الله في ولده .
قال ابن جرير : فوليت خلف الخراساني فلحقني أبو غياث وردني ، فقال لي إجلس فقد رأيتك تتبعني في أول يوم وعرفت خبرنا بالأمس واليوم ،
سمعت أحمد بن يونس اليربوعي يقول : سمعت مالكا يقول : سمعت نافعا يقول : عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لعمر وعلي رضي الله عنهما ،
إذا أتاكما الله بهدية بلا مسألة ولا استشراف نفس ، فاقبلاها ولا ترداها ، فترداها على الله عز وجل ، وهذه هدية من الله والهدية لمن حضر .
ثم قال : يا لبابة ، يا فلانة ، يا فلانة ، وصاح ببناته والأختين وزوجته
وأمها ، وقعد وأقعدني ، فصرنا عشرة ، فحل الكيس وقال : أبسطوا
حجوركم فبسطت حجري ، وما كان لهن قميص له حجر يبسطونه ، فمدوا
أيديهم ، وأقبل يعد دينارا دينارا ، حتى إذا بلغ العاشر إلي ، قال : ولك
دينار ، حتى فرغ من الكيس ، وكان فيه ألف دينار ، فأعطانى مائة دينار .
يقول ابن جرير الطبرى : فدخل قلبي من سرور غناهم أشد من فرحى
بالمائة دينار ، فلما أردت الخروج قال لي : يا فتى إنك لمبارك ،
وما رأيت هذا المال قط ولا أملته ، وإني لأنصحك أنه حلال فاحتفظ به ،
واعلم أني كنت أقوم فأصلي الفجر في هذا القميص البالى ، ثم أخلعه حتى
تصلى بناتي واحدة واحدة ، ثم أخرج للعمل إلى ما بين الظهر والعصر ، ثم
أعود في آخر النهار بما فتح الله عز وجل على من تمر وكسيرات خبز ، ثم
أخلع ثيابى لبناتى فيصلين فيه الظهر والعصر ، وهكذا فى المغرب والعشاء
الآخرة ، وما كنا نتصور أن نرى هذه الدنانير ، فنفعهن الله بما أخذن ،
ونفعني وإياك بما أخذنا ، ورحم صاحب المال في قبره ، وأضعف الثواب
لولده ، وشكر الله له .
قال ابن جرير : فودعته ، وأخذت مائة دينار ، كتبت العلم بها سنتين ،
أتقوت بها وأشتري منها الورق وأسافر وأعطي الأجرة ، وبعد ستة عشر
عاما ذهبت إلى مكة ، وسألت عن الشيخ ، فقيل إنه مات بعد ذلك بشهور ،
وماتت زوجته وأمها والأختان ، ولم يبق إلا البنات ، فسألت عنهن فوجدتهن
قد تزوجن بملوك وأمراء ، وذلك لما انتشر خبر صلاح والدهن فى الآفاق ،
فكنت أنزل على أزواجهن ، فيأنسون بي ويكرموني حتى توفاهن الله ، فبارك
الله لهم فيما صاروا إليه .
يقول تعالى : { ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ومن يتق
الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه }
[الطلاق: 2/3] .
القعقاع- شخصية مميـزة
- الاوسمه :
عدد المساهمات : 991
نقاط : 6316
السٌّمعَة : 7
تاريخ التسجيل : 31/03/2011
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى